يتطلب النمو الاقتصادي والسكاني المستمر في دول مجلس التعاون الخليجي انشاء بنى تحتية جديدة اضافة الى التوسع في البنى التحتية الحالية في قطاعات النقل الجوي والبري والبحري لتغطية الطلب المتنامي على خدمات الشحن او نقل الركاب، وهو ما يتطلب في ظل الوضع الحالي لقطاع النقل استثمارات واسعة في الطرق والموانئ والمطارات بالاضافة الى المزيد من التوسع في شبكات السكك الحديدية وخدمات النقل العام في دول مجلس التعاون الخليجي.

Ad

وذكر تقرير اعده اتحاد صناعات البتروكيماويات الخليجي ان السكك الحديدية تعد القطاع المرشح لاستيعاب زيادة الطلب على نقل الركاب في ذات الوقت الذي يتوقع فيه حدوث نمو في قطاعي النقل الجوي والبري على مدى السنوات الخمس القادمة وما بعدها، اما فيما يخص الشحن باستخدام السكك الحديدية فلا يتوقع حدوث نمو ملحوظ في التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي كونها تقليديا تلعب دورا اقل اهمية بالنسبة لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي حيث يبلغ حجم هذه التجارة نحو 3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الكلي لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام مع استقرار نسبة التوقعات بمرور الوقت.

فرص كثيرة

توفر هذه العوامل فرصا عديدة امام شبكة سكك حديدية تربط دول مجلس التعاون الخليجي تتمثل هذه الفرص. اولا، في الزيادة المباشرة لحجم الشحن عن طريق السكك الحديدية الذي سينمو بنفس معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي لدول المجلس ما سيشكل معدل نمو سنوي لا يقل عن 5 في المئة لغاية عام 2020. ثانيا، سيكون وجود بنية تحتية متكاملة للسكك الحديدية تربط بين دول مجلس التعاون الخليجي خطوة تنسجم مع خطط التنمية الاقتصادية الاقليمية والوطنية وتعد بمثابة حافز قوي لدفع عجلة التعاون الاقتصادي بين هذه الدول وتدعم النمو وتعزز تكامل القدرات الوطنية بين دول مجلس التعاون الخليجي. ثالثا، يمكن للسكك الحديدية ان تزيد من اهمية التجارة البينية القائمة بين دول المجلس اجمالا.

البتروكيماويات محرك لنمو التجارة البينية

يقود قطاع البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي موجة النمو الاقتصادي الحالية في المنطقة وتتسم هذه المرحلة بتنويع قاعدة المنتجات بشكل كبير بحيث لا تقتصر على السلع الاساسية فقط مصحوبة بتوجه نحو دعم وتطوير الصناعات التحويلية المتقدمة في المنطقة.

وستسهم هذه الموجه في رفع الطاقة الانتاجية المخطط لها للمنتجات البتروكيماوية حيث يتركز النمو على المنتجات المتخصصة مع اضافة منتجات جديدة تتيح للمرة الاولى في دول مجلس التعاون الخليجي مهيأة فرصا جديدة وميزة نسبية لشركات الصناعات التحويلية الخليجية.

ويبلغ حجم التجارة البينية المتوقعة في قطاع المنتجات البتروكيماوية بين دول مجلس التعاون الخليجي المنتجة من قبل الشركات العضوة في الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكمياويات GPCA بما في ذلك المنتجات البلاستيكية والكيماويات والاسمدة اكثر من 2.5 مليون طن متري سنويا ويتم نقل معظم تلك المنتجات برا بواسطة الشاحنات ومن المتوقع ان يزداد هذا الحجم مع ازدياد حجم التجارة البينية والناتج المحلي الاجمالي وارتفاع الطاقة الانتاجية للبتروكيماويات.

ولا شك ان ربط شبكات السكك الحديدية الوطنية سيسهم في تطوير مجلس التعاون الخليجي ووصولها الى المراكز الاقتصادية الرئيسية في الخليج الى منح شبكة السكك الحديدية المتكاملة لدول مجلس التعاون الخليجي وضعا افضليا بشكل مباشر ما سيؤهلها للاستحواذ على جزء اكبر من حجم هذه التجارة.

النمو المستقبلي

ستوفر شبكة السكك الحديدية عند اكتمالها البنية التحتية المطلوبة لاستيعاب الزيادة الكبيرة في حجم الشحن بصورة فعالة واقتصادية وستربط هذه الشبكة المزمع انشاؤها بمحاذاة الخليج من مدينة الكويت الى مسقط في سلطنة عمان عبر دول مجلس التعاون الخليجي وستشمل خدماتها بالاضافة للكويت وسلطنة عمان كلا من المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والامارات العربية المتحدة وسيبلغ اجمالي طول الخط الرئيسي لشبكة السكك الحديدية الخليجية حوالي 2177 كيلومترا. بما في ذلك نحو 180 كيلو مترا من خطوط الربط التي تربط الشبكة بمراكز الشحن الرئيسية مثل الموانئ والمناطق الصناعية.

وتتوزع هذه الشبكة جغرافيا الى 145 كلم في الكويت، 695 كلم في المملكة العربية السعودية، 64 كلم في البحرين، 283 كلم في قطر، 684 كلم في الامارات العربية المتحدة، و306 كلم في سلطنة عمان.

وستقدم شبكة السكك الحديدية الخليجية خدمات نقل الركاب وشحن البضائع وستكون في غالبيتها مؤلفة من خطوط مفردة بالعرض المعياري (1435 ملم) مع وجود بعض الخطوط المزدوجة في بعض المناطق حسب الحاجة، وستعتمد القطارات على قاطرات سحب تعمل بالديزل، كما سيتم تجهيز الانفاق اللازمة في المناطق الجبلية في الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان بحيث تسمح بمرور الحاويات المزدوجة الحجيرات وستصل سرعة قطارات الركاب التي ستكون مزودة بمكيفات الهواء الى 200 كم/ساعة، وستعمل بصورة رئيسية خلال ساعات النهار حيث من المخطط ان تنطلق رحلات قطارات الركاب في كل اتجاه مرة كل ساعتين.

كما تعد شبكة السكك الحديدية الخليجية مجدية اقتصاديا وماليا وذلك بشرط ان تدفع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تكلفة رأس المال المستثمر لانشاء البنية التحتية ويعد هذا من الممارسات الشائعة لمشاريع النقل ذات رأس المال الكبير التي تهدف لتوفير خدمات النقل العام.

السلامة والكفاءة والمنافع البيئية: يعد توفير وسيلة نقل بديلة وآمنة وفعالة ومستدامة مطلبا يمكن ان تقدمه شبكة السكك الحديدية الخليجية التي ستحدث تغييرا جذريا في الوضع الحالي لقطاع النقل والخدمات اللوجستية مما سيعود بالفائدة على المنطقة باسرها.

وسيلة نقل صديقة للبيئة: من المتوقع ايضا ان يكون لشبكة السكك الحديدية الخليجية اثر ايجابي على البيئة حيث ستطبق هذه الشبكة مفاهيم تعزيز المسؤولية البيئية والاستدامة والتي تلعب دورا في التخفيف من انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون CO2 وترشيد استخدام الوقود وببساطة يسهم تحويل حركة المرور من الطرقات البرية الى وسيلة نقل اكثر ملاءمة للبيئة في خفض انبعاثات الغازات الضارة في الجو وخاصة الغازات التي تؤدي الى الاحتباس الحراري وسيتيح هذا ايضا استخدام الطاقة بكفاءة اعلى (بحكم حرك القطارات السهلة والسريعة) وخفض مستويات التلوث الضوضائي الناجمة عن حركة المرور على الطرقات.

اعتماد اقل على العمالة الاجنبية: سيسهم استخدام السكك الحديدية في تخفيض الحاجة للسائقين الاجانب بشكل كبير وفي تخفيف الاشكاليات التي تنتج عن الاعتماد الكبير عليهم وخاصة في الحالات غير الاعتيادية.

دفع عجلة التنمية الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي: تعد شبكة السكك الحديدية المتكاملة رمزا قويا لوحدة وتكامل دول مجلس التعاون الخليجي، وبالاضافة الى لعب دور العمود الفقري لقطاع النقل وربط اهم المراكز الحضرية الرئيسية تسهم شبكة السكك الحديدية في تنويع البنى التحتية لقطاع النقل والخدمات في المنطقة وهو ما سيعزز مستوى التنافسية ويدعم بيئة الاستثمار ويعزز الصادرات كنتيجة مباشرة لذلك اما على المستوى الاقليمي فتعد الشبكة عنصرا هاما يسهم في تحقيق الاهداف الرئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي المتمثلة في استدامة التنمية الاقتصادية على الصعيدين الوطني والاقليمي ودعم الصناعات الوطنية لدول المجلس وتعزيز دورها في الاقتصاديات المجاورة.

تعزيز القدرة المؤسساتية

اضافة الى ذلك سيؤدي ربط دول مجلس التعاون الخليجي وشبكات السكك الحديدية الوطنية الموجودة فيها من خلال شبكة نقل اقليمية متكاملة وفعالة الى تعزيز القدرة المؤسساتية وايجاد فرص عمل للمواطنين في دول المجلس وتشجيع المهارات المتخصصة اللازمة لتطوير سكك حديدية مستدامة الامر الذي من شأنه ان يعزز التجارة الاقليمية.

ولا تقف شبكة السكك الحديدية المزمع انشاؤها عند حدود دول مجلس التعاون الخليجي بل تتخطاها للتطلع الى احداث التكامل والربط مع دول اخرى مجاورة في الشرق الاوسط حيث تشير دراسة الجدوى التفصيلية الى خطط للربط مع اليمن وامكانية للربط مع الاردن عبر سكة حديد شمال الجنوب في المملكة العربية السعودية ومع العراق عبر دولة الكويت. كما يمكن ربط الشبكة مع شبكتي سورية وتركيا وذلك كخطوة اولى في اتجاه الربط مع اوروبا.

اما على المدى البعيد فهناك دراسة لامكانية مد شبكة سكك حديدية تربط منطقة الخليج بآسيا الوسطى والصين وغيرهما من المراكز الاقتصادية الاسيوية التي تتمتع بالحيوية والديناميكية وبالمثل فمن شأن ربط الشبكة مع السكك الحديدية الموجودة في تركيا عبر الاردن ان يتيح الربط مع شبكة السكك الحديدية الاوروبية وسيمكن تحقيق هذا الهدف من خلق شبكة متكاملة يمكن اعتبارها بمثابة احياء لطريق الحرير ما سيجعل دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ككل لاعبين كبارا على خارطة النقل والخدمات اللوجستية العالمية.

وللاستفادة من الفرص التي تتيحها شبكة السكك الحديدية الخليجية يجب اعطاء الاولوية لزيادة الطلب وعوامل النجاح الرئيسية وذلك لتحقيق الفائدة القصوى للمجتمع والاقتصاد يشمل ذلك اجراءات السلامة للاشخاص الموجودين على متن القطارات وقربها وتقييم الطلب على نقل الركاب لرفع الانتاجية وتحقيق سهولة النقل والوصول الى الوضع الامثل للبصمة البينية الناجمة عن عمليات الانشاء والتشغيل ويعتمد نمو الانشطة التجارية واعمال الشركات وكذلك التنمية الاقتصادية والتنويع الاقتصادي على عدة عوامل مساعدة اخرى منها على سبيل المثال تصميم وامتدادات شبكات السكك الحديدية والربط بين وسائل النقل المختلفة من خلال عقد المواصلات المشتركة بهدف تحفيز عمل المناطق والصناعات والاستيعاب المزمع للشبكة من حيث الخطوط وعدد العربات وجذب الاستثمارات والترويج لها وكذلك تأسيس قطاع السكك الحديدية ودعم الخدمات.

طريق تجاري بديل وآمن

مع التهديدات المتكررة باغلاق مضيق هرمز فان ربط دول مجلس التعاون الخليجي من خلال شبكة السكك الحديدية سيمنح الدول الاعضاء خيارات بديلة للتصدير والاستيراد وستوفر السكك الحديدية الربط ما بين الموانئ الموجودة جنوب مضيق هرمز والموانئ الاخرى الموجودة على بحر العرب وسيمنح الجسر البري في المملكة العربية السعودية الدول الخليجية امكانية الوصول الى موانئ جدة وينبع ورابغ المطلة جميعا على البحر الاحمر.

وهناك نقطة اخرى لا تقل اهمية عن ذلك من الناحية الاستراتيجية وهي ان الشبكة ستؤمن بديلا للخطوط البحرية الحالية التي تتهددها احيانا عمليات القرصنة البحرية فالقرصنة تؤثر سلبا على شبكات الامداد في الخليج العربي وتفرض عليها تكاليف اضافية كما تعرضها للمخاطر وتوثر على ثقة العملاء بالاضافة الى الاثر السلبي الواضح على السفن هناك ايضا الاثر الاقتصادي المتتابع على امتداد شبكة القيمة العمودية باكملها في قطاع النقل البحري تؤدي محدودية البدائل لتجاوز منطقة المياه الخطرة الى تحويل القرصنة الى تهديد مباشر لاي قطاع يستخدم الخليج العربي كطريق لنقل وارداته وصادراته وبعد توفير طريق تجاري بديل وآمن للنقل ومربوط مع جهات التصدير الموجودة في جنوب الخليج العربي وبحر العرب والبحر الاحمر سلاحا قويا في وجه اي زعزعة محتملة للاستقرار في مناطق عمل شبكات الامداد التي تعتمد طريق الامدادات البحرية المتأثرة باخطار القرصنة.

وقد اطلقت حكومات دول مجلس التعاون مشاريع سكك حديدية مختلفة في الحجم تقدر قيمتها حاليا باكثر من 100 مليار دولار اميركي وقد اتخذت المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة الخطوات الاكبر في هذا المجال حتى الان.

تخصيص تكلفة المشروع

من المفترض ان يتم تقاسم التكلفة المقدرة لشبكة السكك الحديدية بين دول مجلس التعاون الخليجي على اساس طول المسار المخطط في كل دولة منها اما بالنسبة لتكاليف القاطرات والعربات والتشغيل والصيانة فمن المفترض ان يتحملها القطاع الخاص ويمكن النظر في توزيع التكاليف بطريقة اخرى حيث يمكن تقاسم التكاليف وفقا للمنافع المتوقع ان تحصل عليها كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي وهي طريقة تتطلب المزيد من الدراسة والتحليل خلال التصميم الهندسي المفصل وما يليه من مراحل تنفيذ المشروع.

رأس المال المُستثمَر

يبلغ رأس المال المستثمر في الانشاءات الاولية للبنية التحتية للسكك الحديدية (بناء على بيانات عام 2009) ما مجموعه اكثر من 100 مليار دولار اميركي ويتضمن ذلك عمليات الانشاءات وبناء المسار والسكك الجانبية وساحات الصيانة بالاضافة الى انظمة الاشارة والاتصالات والمحطات وورش العمل وغيرها من المباني ويستند هذا التقدير الى استخدام قاطرات السحب التي تعمل بالديزل وتصل سرعة قطارات نقل الركاب الى نحو 200 كم/ساعة بالاضافة الى انشاء الجسر البحري المقترح بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين.