لماذا يتدخل «الأزهر» في الفن؟
الأزهر يمنع فيلم «نوح» ويطالب بمصادرته، الأزهر يثني على قرار رئيس الوزراء المصري بمنع فيلم «حلاوة روح»، الأزهر يعترض على مشهد في فيلم «سالم أبو أخته»... يسأل البعض: «هل ترك «الأزهر» الدعوة وأمور الدين وتفرغ للسينما وتقييم الفن بمنظور أخلاقي، فهل هذا التدخل بمثابة ردة فنية تحمل الكثير من الريبة والخوف على مستقبل الحرية والإبداع؟
يقول وكيل الأزهر الشيخ عباس شومان أن «ثمة هجمة منظمة تشن ضد الأزهر الشريف، تتمثل في إنتاج مجموعة من الأفلام الخليعة التي تنتهك أخلاقيات المجتمع المسلم، وتثير الغرائز لدى الشباب والمراهقين ولا بد من محاربة هذه الأعمال الخليعة ومنعها لأنها ضد المجتمع وقيمه»، مشيراً بكلامه إلى فيلم «سالم أبو أخته»، الذي يتضمن مشهداً يظهر فيه محمد رجب ممسكاً بجريدة «صوت الأزهر» على اعتبار أن الاختيار مقصود ويحمل إسقاطاً ضد الأزهر.مخرج الفيلم محمد حمدي ذكر بدوره: {لا يحمل الفيلم أي إسقاط سياسي. ومسألة تقييم الفن من منظور أخلاقي أمر في غاية الخطورة وسيؤثر سلباً على الفن لسنوات طويلة}.
كذلك أضاف أنه لا يوجد عاقل يريد أن يسيء إلى الأزهر كمؤسسة جليلة ولها مكانة لدى المصريين جميعاً، وأحداث الفيلم لا علاقة لها بالأزهر من قريب أو من بعيد، مؤكداً أن ثمة حالة من التربص بالفن من الجميع.الناقد طارق الشناوي يرى أن «الدولة المصرية في حالة ضعف وسيولة، وفي هذه الحالة يحاول أشخاص أو مؤسسات اللعب في مساحة أكبر لصناعة دور لها في الفراغ الكبير الذي خلفه تراجع كل مؤسسات الدولة، وهو ما يفعله الأزهر، فقد ترك مهمته الأساسية والمقدسة وهي الدعوة والدين وتفرغ إلى تقييم الفن من منظور أخلاقي، فاعترض على مشهد لم ينتبه له أحد سوى الدكتور عباس شومان، وهو مشهد محمد رجب بطل فيلم «سالم أبو أخته» وهو يُمسك جريدة «صوت الأزهر»، خصوصاً أن البطل بعدها مباشرة قتل ضابط الشرطة الفاسد محمد الشقنقيري. لم يلحظ أحد ذلك سوى الدكتور عباس، كل مَن شاهد اللقطة اعتبر أن الأمر لا يزيد على مجرد جريدة}. وضرب الشناوي مثلا بفيلم داود عبد السيد {رسائل بحر}، ففي أحد المشاهد نرى البطلين في قارب صغير بعدما رفض المجتمع العلاقة بينهما، فلم يجدا سوى النيل ليعيشا فيه، وقد كُتب على القارب {القدس}. آنذاك، ذهب بعض النقاد إلى أن العمل يحمل إسقاطاً سياسياً على القضية الفلسطينية، لا سيما أن الأمواج {تلعب} بالقارب!تابع الشناوي: {بالطبع، هذا الكلام عار عن الصحة. يحاول البعض أحياناً تحميل الأمر أكثر من اللازم، فما بالنا إن شاهد الفيلم رجال الدين وهم الأبعد عن الفن وتقييمه. لذا أرجو من الأزهر ورجاله الابتعاد عن هذه المعارك الصغيرة وعن الدخول في مجال تقييم الأعمال الفنية لأنها ستنتقص من قدرهم لدينا}.وعن تأثير هذا الأمر على الفن، أكد الشناوي أن التحقيق مع بعض الرقباء الذين سمحوا لـ{حلاوة روح} بالعرض بالإضافة إلى تدخل الأزهر، يجعلان من أي رقيب قادم رقيباً متشدداً خوفاً من التعرض للتحقيق أو الدخول في مواجهة مع الأزهر الذي يحترمه الجميع. أبعاد سياسيةيرى الناقد نادر عدلي أن تدخل الأزهر في الفن له أبعاده السياسية، وأبرزها إرضاء للتيار السلفي المتشدد والجمهور البسيط الذي يجذبه الحديث عن الأخلاق والقيم، وكل من يتهم الدولة بأنها تحارب التيار الإسلامي، فيصبح قبلة الباحثين عن التدين والأخلاق، ويتبين أن أزمة مصر تكمن في فصيل سياسي وليس دينياً. وأضاف أن «الرقابة هي التي كانت تذهب إلى الأزهر طالبة منه رأيه في عمل فني ما. أما الآن ونتيجة لحالة الفوضى التي نعيشها يبادر الأزهر بالقبول والمنع، وبالطبع لا تستطيع الرقابة أو أي شخص الوقوف أمامه، نظراً إلى مكانته بين قلوب المصريين}.وتساءل عدلي: «أين كان دور الأزهر في منع «آلام المسيح» و{الريس عمر حرب» و{قبلات مسروقة» و{أحاسيس»؟ ألم يوافق الأزهر على مسلسلي «عمر بن الخطاب» و{الحسن والحسين» وفيلم «الرسالة»؟ ما الذي اختلف اليوم: الفن أم الأزهر؟ أم أن المرحلة التي نعيشها تتسم بالفوضى؟».في السياق نفسه، تقول الناقدة ماجدة موريس: «تشهد الفترة الراهنة تراجعاً ملحوظاً في مساحة الحرية واحترام الفن، وكثير من المؤسسات تمارس دور الوصاية على الفن بدعوى حماية الأخلاق والقيم». وأضافت: «لا بد لكل مؤسسات الدولة أن تحترم القانون وحرية الآخرين، وثمة جهات ومؤسسات هي الوحيدة التي من حقها تقييم الأعمال الفنية والسماح لها أو منعها. من حق كل فرد ومؤسسة انتقاد أي عمل، ولكن ليس المنع أو المصادرة. كان المنع مقبولاً سابقاً، أما وقد ثار الشعب للحصول على حريته فقد أصبح مرفوضاً. ناهيك بأن التكنولوجيا الحديثة جعلت من المنع أو المصادرة أمراً مستحيلاً». وضربت موريس مثلا بالفاتيكان الذي كثيراً ما يطلب من رعاياه الامتناع عن مشاهدة عمل ما لأنه ضد القيم النبيلة ولكنه لا يمنعه أو يصادره أو يحقق مع من سمح بعرض، كما يحدث الآن من تحقيق مع الرقباء.رأي الناقدة خيرية البشلاوي يختلف عن كل ما سبق، فهي ترى أن القول بأن المخرج لم يتعمد إهانة الأزهر كلام لا مبرر له، لأن جريدة الأزهر غير متداولة وبالتالي المخرج بحث عنها تحديداً. أما الحديث عن أنه خطأ غير متعمد فتؤكد أن التفاصيل في الفن لها أهمية كبيرة ودور كبير، وإن كان المخرج لا يعلم ذلك فهو لا يستحق أن يكون مخرجاً سواء كان خطأ متعمداً أو لا. وأضافت البشلاوي: «ثمة حالة من الانفلات والانحلال تسيطر على الفن، ولا بد من المؤسسات القوية التي لها وجود وكيان مثل «الأزهر» أن تتدخل للحفاظ على قيم المجتمع التي انهارت بسبب العشوائية والانفلات الأخلاقي تحت مسمى الحرية».