ما قل ودل: أي حرية انتهكتها الاتفاقية الأمنية ... اللغز الذي حيرني؟
تعرضت الاتفاقية الأمنية الخليجية لحملة تشويه ظالمة، باتهامها بالعدوان على الدستور وانتهاك الحريات وإلغاء القوانين السابقة عليها، وهي الاتهامات التي دفعتني إلى دراسة هذه الاتفاقية، فقد قضيت عمري كله أدافع عن الدستور وعن الحريات وعن سيادة القانون واستقلال القضاء في كل المواقع التي عملت فيها، وفي كتبي ومقالاتي، راجياًأن أكون قد أجدت القراءة فيما قرأت من نصوصها، وأن أكون قد أتقنت الفهم فيما فهمت من أحكامها، وأن أكون قد أحسنت الاستقصاء فيما استقصيت في الدراسة التي نشرتها لي "الجريدة" على صفحاتها يوم 18 فبراير، والتي لاقت استحساناً من الذين شاركوني الرأي المنصف لهذه الاتفاقية، والذين حاولوا، كما حاولت، أن يبرئوا هذه الاتفاقية من التشويه الذي تعرضت له والظلم الذي لحق بها، والإسراف في سوء الظن بالدوافع التي كانت وراء إبرامها، وسط صمت حكومي غير مفهوم وغير مبرر.
إلا الحرياتوهو عنوان المهرجان الخطابي الذي عقدته جمعية أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، والذي أشعل فيه بعض الخطباء فتيل الأزمة التي وقعت فيها هذه الاتفاقية.وأعترف لمن كانوا وراء هذه الأزمة بأنهم اختاروا اللعب على وتر الحريات، التي تكون نسيج الضمير الوطني الكويتي، فالحرية الشخصية والحريات العامة لا تستمد من الدستور الكويتي فحسب، والذي جعل من العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع وألزم الدولة صونها، وكفل الحرية الشخصية وحرية الرأي وحق التعبير وحرية الصحافة والطباعة والنشر وحرية الاعتقاد وحرمة المسكن وحرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات وحق الاجتماع، بل تستمد الحرية جذورها من فطرة الإنسان، ومن جوف الصحراء الذي قامت فيه دولة الكويت، فلقد عاشت المجتمعات العربية في الصحراء، كما يقول أديبنا الكبير المرحوم عباس محمود العقاد في كتابه "الديمقراطية في الاسلام"، عيشة الحرية والطلاقة بعيدا عن متناول الحكومات، ولكنها حرية لم تنعم بها لأن أحداً أرادها وشرع مبادئها، بل نعمت بها لأن أحداً لم يرد منعها، ولم تكن لأحد مصلحة في تقييدها والاعتراض عليها، فهي حرية واقعية تستمد من فطرة الإنسان التي جبل عليها.والواقع أن الاتفاقية لم تكن الهدف من المهرجان الخطابي، بل كانت وسيلة من وسائل الحراك السياسي لإسقاط مجلس الأمة، بعد إسقاط الاتفاقية، وهو ما توعد به الرئيس الأسبق لمجلس الأمة أحمد السعدون، في خطابه الجماهيري في هذا المهرجان.حرية الخارجين على القانون:ولكن عن أي حرية يتحدثون؟ هذا هو اللغز الذي حاولت حله عندما طالعت هذه الاتفاقية وأعدت قراءتها مرارا وتكرارا، وأعترف بفشلي في حله. هل هي حرية الخروج على القانون؟ أم هي حرية الخارجين على القانون في عدم ملاحقتهم؟ والاتفاقية تنص في المادة الثانية على تعاون الدول الأطراف في ملاحقتهم.أم حق العصابات الإجرامية في احترام خصوصياتها في المعلومات عن الجرائم التي تم أو يتم الإعداد لارتكابها، والتي أباحت الاتفاقية تبادل المعلومات حولها (مادة 9)؟أم حق الأشخاص في الدخول والخروج غير المشروع وحق التسلل والتهريب إلى أي بلد طرف في الاتفاقية، والتي تتناول المادة (12 و13) التزام الدول الأطراف على منع هذه الأعمال، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق مرتكبي هذه الأفعال، طبقاً لقانون كل دولة؟أم حرية التدخل في الشؤون الداخلية لدولة الكويت أو الدول الخليجية الأخرى، والتي تنص المادة (3) من الاتفاقية، على اتخاذ كل دولة الإجراءات القانونية قبل المتدخل، إذا كان هذا التدخل يعتبر جريمة في قانون الدولة التي وقع فيها التدخل؟تعريف «الخارجين على القانون»:وقد انبرى مستشار له كل التقدير، للرد على دراستي السابقة، فنعى على هذه الاتفاقية أنها خلت من تعريف لعبارة "الخارجين عن القانون" التي وردت بصيغة عامة، بما يعتبر خرقا للدستور وسقطة لا تغتفر بالنسبة إلى هذه الاتفاقية، لخطورة ما جاء بها، لأن من شأنه إفساح المجال للسلطات الحاكمة لممارسة أنواع شتى من انتهاكات حقوق الإنسان من بينها ملاحقة تلك الفئة من الأشخاص، وممارسة أشكال شتى من أشكال التعسف وغيرها من الممارسات غير المشروعة بحجة خروجهم على القانون.كما يقول المستشار في سياق هجومه على خلو الاتفاقية من تعريف هذه العبارة، إن تعريفها وتحديدها يعد ضرباً من ضروب المحال أمام فقهاء وشراح القانون الجنائي لصعوبة تحقق ذلك.وهو الأمر الذي أختلف فيه مع سعادة المستشار فالخارج على القانون، هو كل من ارتكب فعلاً يجرمه تشريع الدولة ويعاقب عليه.وفي هذا السياق فإن الاتفاقية لم يرد فيها أي نص بتجريم الخروج على القانون، بل تركت ذلك للتشريعات الوطنية في كل دولة من الدول الأطراف.والإجراءات القانونية التي أرادت الاتفاقية تفعيلها، هي إجراءات تتم طبقا لتشريعات كل دولة وبأمر قضائي في الكويت، وفقاً لتشريعها الوطني، عدا حالة التلبس بطبيعة الحال.