{شاهد قبل الحذف... إعدام فلاحين مصريين في دنشواي}، فيديو يثير موجات من الغضب العارم في برامج الحوارات، على شاشة الفضائيات وجوه إعلامية معروفة (عمرو أديب، يسري فودة، إبراهيم عيسى، لميس الحديدي) تناهض التاج البريطاني وتصرخ مطالبة بالجلاء .

Ad

{كلنا إبراهيم حمدي} صفحة واسعة الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، تحشد الرأي العام المصري بكل طوائفه ضد الحكومة الموالية للإنكليز، وتعرض مقاطع مصورة مسموعة ومرئية لعدد من الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال والشرطة السياسية ضد الفدائيين والشباب الثوري.

الصفحة والتي أنشأها الطالب الجامعي محيي زاهر (حسن يوسف) لمؤازرة زميله في الجامعة إبراهيم حمدي (عمر الشريف) في نضاله ضد قوات الاحتلال، تحظى بقبول عريض ومتابعة وصلت إلى الآلاف فور إطلاقها بساعات، ما دفع الدباغ (توفيق الدقن) إلى تكلفه أحد ضباطه لمتابعة الصفحة والوصول إلى صاحبها للقبض عليه، كما يأمر ضباطه بضرورة  وقفها بعد مراقبة المترددين عليها، ومن ثم كانت زيارة عبد الحميد زاهر (رشدي أباظة) للشرطة السياسية ستؤكد شكوك الدباغ وتمنحه حججاً قوية لإدانة محيي عند محاكمته.

على الجانب الآخر، أعداد كبيرة من المصريين تتسابق لاقتناء أطباق استقبال هوائية وأجهزة فك تشفير، لا لتمكنهم من متابعة مباريات كأس العالم والتي نظمتها البرازيل للمرة الأولى (1950) أو حتى لمشاهدة حفلات كوكب الشرق أم كلثوم والتي تبث حصرياً على مجموعة {روتانا خليجية}، ولكن لمشاهدة البرامج التي تمنعها الرقابة البريطانية، وضيوف حلقاتها كل من عبد الحميد زاهر (رشدي أباظة)، زاهر (حسين رياض)، نوال (زبيدة ثروت) ليكشفوا خلالها حقيقة علاقتهم بإبراهيم حمدي.

يحكي {في بيتنا رجل} عن مناضل مصري يدعى إبراهيم حمدي (عمر الشريف) يخطط مع رفاقه لقتل رئيس الوزراء الخائن الموالي للأنكليز قبل أن يتم القبض عليه وتعذيبه. هاتف محمول مبرمج للتفجير عن بعد كان كفيلاً بقتل رئيس الوزراء، وكان سيساعده وزملاءه على تفجير معسكرات الإنكليز {عن بعد}  أيضاً، ومن دون الاضطرار إلى اقتحامها لزرع المواد المتفجرة، ليلقى في النهاية حتفه في اشتباكات مع عناصر الحرس الإنكليزي.

الفيلم والذي أنتج عام 1961 ليستعرض حالة الاحتقان التي شهدتها سنوات ما قبل قيام ثورة 1952، يتشابه إلى حد بعيد مع فترة ما قبل اندلاع ثورة 25 يناير والتي أدّت آليات العصر دوراً كبيراً في تأجيجها واشتعالها، ويطرح أكثر من سؤال، بعضها يرتبط بزمانه والبعض الأخر بزماننا، ربما في مقدمها الحدود الفاصلة بين الانتماء والتخريب، الفدائي والإرهابي، خصوصاً في زمن تعاني فيه البلاد أعمالاً تفجيرية، وإن كان لا مجال للمقارنة بين الهدف من التفجير في الفيلم، والمشهد اليوم.

لهنري بركات أيضاً قدرة مذهلة على استغلال تفاصيل الصورة السينمائية لإيصال المعنى إلى المشاهد، مثل طقوس الشهر الفضيل بدءاً من اجتماع العائلة على مائدة الإفطار، الأطفال الذين يحملون فوانيسهم يغنون {حلو يا حلو} ثم يتحصلون على الحلوى من المارة، الشوارع شبه الخالية، خصوصاً لحظة انطلاق مدفع الإفطار. وغيرها من تفاصيل برع الفيلم في تسجيلها في ذاكرة السينما كشاهد عليها في هذا الزمن، مقارنة بما تشهده المدينة نفسها في الشهر الفضيل، حيث الازدحام الذي يدفع البعض إلى أن يستقبل مدفع الإفطار في الشارع، فيما يقطع ساعات الانتظار المملة بتصفح حساباته الشخصية على مواقع التواصل، أو بالتحدث مع أصدقاء عبر {واتس آب} أو {فايبر}.

 كذلك لم يعد {المذياع {وسيلة الإعلام الوحيدة التي تتعرف الأسرة من خلاها إلى الأخبار، فلقد حلت محلها الفضائيات بكل ما تتضمنه من مواد ترفيهية لا تتوافق وقدسية الشهر الفضيل.

مجدداً، لو أعيد تقديم الفيلم (أو بالأحرى تحديثه)، هل سنتوقف أمام قصة شاب مغمور بحب الوطن أراد أن يقدم عملاً فدائياً لوطنه المحتل في حدود وعيه ونضجه السياسي، أم سنلتقط ما هو أبعد وأعمق من ذلك؟ هل سنبقي على مفاهيم الانتماء والتضحية والوفاء التي ركز عليها بركات ومنحها مساحة من التأمل؟ خصوصاً أنها مفاهيم لا تتغير عبر الزمان والمكان، ولكن تختلف طرق وأساليب الإفصاح عنها.

{في بيتنا رجل} يحتوي على نقاط إجادة وعناصر قوة تمكنه من تجاوز وقته وزمانه، ففي أحد المشاهد التي تسبق استشهاد إبراهيم نجده أعلى الإطار وهو يطلق النار على جندي الاحتلال في أسفل الإطار، بينما الجندي المجروح يطلق النار على إبراهيم ولكن من دون أن يسقطه إلى السفح. تشير هذه الالتفاتة إلى مقارنة بين المواطن والمستعمر في اختلاف المواقع ودلالة على اختلاف القيمة، فذاك المواطن يقتل وهو في القمة وذاك المعتدي يقتل وهو في الأسفل، فيما الأول لا يسقط أبداً.