في الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السيئة يعلو عادة الصوت المدني الديمقراطي؛ لأنه هو وحده المُعبّر عن المواطنين كافة بصرف النظر عن أصولهم وطوائفهم ومناطقهم، وهو وحده الصوت القادر على الدفاع عن مصالحهم، لهذا فمن المؤسف أن يخف هذه الأيام الصوت الوطني الجامع في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات قوى الفساد السياسي والتراجع الديمقراطي والقوى الرجعية المتطرفة التي تشترك في عدائها المبطن حينا والسافر أحيانا للحريات، والنظام المدني الديمقراطي الذي وضع أسسه دستور 1962.

Ad

لقد تطرقنا في هذه الزاوية غير مرة إلى ضرورة وجود جبهة مدنيّة عريضة تقدم البديل المدني الديمقراطي الذي يتبنى خطابا وطنيا جامعا عابرا للفئة والقبيلة والطائفة والمنطقة، ويكون هدفه استكمال بناء الدولة الديمقراطية الدستورية العصرية.

وغني عن البيان أن الجبهة المدنيّة العريضة تستمد أهميتها من الظروف الموضوعية التي نتجت عن تداعيات ثورات الربيع العربي على المستويات كافة المحلية والإقليمية والدولية وما ترتب عليها من تغيرات سياسية وصراع فكري وسياسي حاد، وهو الأمر الذي يتطلب قيادة موحّدة تعبّر عن صوت العناصر والقوى المدنيّة كافة، وتعلن برنامج إصلاح سياسي وديمقراطي منحاز بالكامل، وبشكل واضح لا لبس فيه، للدولة المدنيّة، وتدافع عنه بحيث تساهم في توعية الرأي العام وتعبئته، وتُصحح المفاهيم المشوّهة حول النظام الديمقراطي الدستوري والحريات والمدنيّة.

 لقد أثبتت التطورات السياسية المتسارعة في منطقتنا العربية خلال الأعوام الثلاثة المنقضية أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة لا يمكن لها أن تستمر، وأن التغيير قادم رغم الصعوبات والعراقيل، ولكن بعض الأنظمة السياسية تعاني عجزاً بنيوياً يجعلها غير قادرة على استيعاب المتغيرات المتسارعة، والبدء بالإصلاحات السياسية الديمقراطية المستحقة، فتقوم بدلا من ذلك بالمكابرة في الاعتراف بالوضع السيئ الناتج عن سوء إدارتها لشؤون الدولة والمجتمع، وعجزها عن تلبية احتياجات الناس ومطالبهم المتجددة بالديمقراطية والحرية والكرامة.

 وإذا ما أخذنا، في عين الاعتبار، أن تطورات الأحداث قد أظهرت التنظيمات المُتخلّفة والطائفية على حقيقتها كقوى رجعية تريد العودة بمجتمعاتنا للوراء، بل كشفت سطحيتها وعداءها الفكري والسياسي للديمقراطية والحريات والتقدم الاجتماعي-الاقتصادي وتشويهها للشعارات التي يرفعها شباب التغيير والتقدم في البلدان العربية كافة، فإن الظروف الموضوعية مهيأة الآن لقيام الجبهة المدنيّة العريضة التي تتبنى برنامج قوى التغيير الديمقراطي، بحيث يرتفع الصوت الوطني الجامع، وتتعدل موازين القوى السياسية لمصلحة الدولة المدنيّة والحريات والتقدم الاجتماعي-الاقتصادي.