تفكيك «رابعة» في ذكراها

نشر في 17-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 17-08-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز يوم الخميس الماضي حلت الذكرى الأولى لفض تجمعي أنصار تنظيم "الإخوان" في "رابعة العدوية" بالقاهرة، و"ميدان النهضة" بالجيزة، حيث قُتل خلال عمليتي الفض نحو 700؛ بعضهم من رجال الشرطة والجيش.

لقد احتفى تنظيم "الإخوان" وحلفاؤه في تركيا وقطر وبعض الدول الغربية بالذكرى كثيراً، وبدا أنه تم الإعداد لذلك الاحتفاء على نحو مكثف، وأن موارد وجهوداً كثيرة بُذلت لإنجاحه.

ووفق الخطط المرسومة، فقد تم عقد مؤتمرات في دول مثل إيطاليا، وانطلقت تظاهرات في مدن مثل باريس، وأقيمت معارض، وألقيت قصائد، وصدحت أغان، وكرست قناة "الجزيرة مباشر مصر" كل هوائها تقريباً لـ"النفخ" في الأحداث، ومحاولة حشد الجمهور الغاضب ضد الدولة المصرية، ليقوم بأعمال ميدانية "انتقاماً للشهداء".

وسخّر عدد من "الدعاة" نفسه، وبعض الآيات والأحاديث والقصص، من أجل "شحذ همم" أنصار "الإخوان"، ليقوموا بقتل وترويع أفراد الجيش والشرطة والمدنيين المؤيدين لمسار 30 يونيو في مصر، باعتبار أن ذلك "جهاد" و"نصرة للإسلام" و"تقرب من الله".

وفي غضون ذلك، أطلقت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تقريراً عن فض التجمعين، قالت إنها اعتمدت في جمع معلوماته على مجموعة من المصادر؛ "أغلبها من المتظاهرين" بحسب ما أكدته المنظمة.

وقد توصل التقرير بالطبع إلى إدانة مغلظة للسلطات المصرية، بل قام المسؤول عنه بالمطالبة بإخضاع القيادات المصرية المسؤولة عن عملية الفض لمحاكمة دولية، باعتبار أن تلك العملية مثلت "جريمة ضد الإنسانية".

إن ذلك الاهتمام المفرط بعملية فض "رابعة" يثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب في آن.

تجري في غزة على بعد كيلو مترات قليلة جداً من مصر "جريمة ضد الإنسانية" بكل معنى الكلمة، لكن وسائط حقوق الإنسان العالمية، وعلى رأسها "هيومان رايتس ووتش" وجدت أن الاهتمام بما حدث في "رابعة" قبل أكثر من عام أجدى.

لا يختلف هذا الموقف كثيراً عن موقف الشيوخ والدعاة، وعلى رأسهم الشيخ القرضاوي، الذين كرسوا أنفسهم للدعوة إلى الجهاد في مصر وضد مصر وليس في فلسطين وضد إسرائيل.

لا يصح الاحتجاج بأنه من الأولى الاهتمام بما يجري في غزة مقابل تجاهل ما جرى في مصر؛ إذ يجب الدفاع عن المعيار في كل الحالات، وعدم ترك محاسبة أحد المخطئين لأن مخطئاً آخر ارتكب جريمة أكبر.

واستناداً إلى ذلك، يجب مراجعة ما جرى في "رابعة" ومحاولة تقصي الأمر، لمحاسبة المخطئين، وكل بقدر تجاوزاته وجرائمه.

أولاً:

يعد تنظيم "الإخوان" صاحب المصلحة الكبرى في وقوع أكبر عدد من الضحايا في فض "رابعة".

تخيل أن فض "رابعة" تم من دون وقوع ضحايا، أو بعدد قليل منهم لا يتجاوز العشرات على سبيل المثال، كما كانت تأمل السلطات المصرية.

ما الشعار الذي كان سيحمله تنظيم "الإخوان" الآن؟ وما المظلومية التي كان سيسوقها ويبرر بها فشله وعجزه ونفور المصريين منه وانقلابهم عليه؟ وكيف كان سيحافظ على تماسك التنظيم الداخلي بعد الإخفاق المريع والفشل المزري الذي أظهرته القيادة؟ وما الذي كان سيقوله حلفاؤه الإقليميون مثل أردوغان وقناة "الجزيرة" وغيرهما؟

في الواقع أن تنظيم "الإخوان" لم يكن أمامه سوى اصطناع مذبحة، وإهراق أكبر قدر ممكن من الدماء، لأن هذا هو الطريق الوحيد لتفادي الإجابة عن الأسئلة السابقة.

وبدلاً من شعار "الإسلام هو الحل" الذي لن يصبح قادراً على حمله، أو شعار "القاعدة" الذي يجلب له الانتقادات الحادة، أو شعار "نحمل الخير لمصر" الذي بات يثير الضحك والسخرية بعد التجربة المريرة في الحكم، لم يكن أمامه سوى شعار جديد... فكانت "رابعة".

ثانياً:

كان التجمع في "رابعة العدوية" مسلحاً وغير سلمي على الإطلاق.

يتضح ذلك من تقرير "هيومان رايتس ووتش" نفسه، كما يتضح في كل التقارير والإفادات والشهادات وأفلام الفيديو والصور الفوتوغرافية، وكما ورد في كتابات بمختلف الصحف العالمية.

لم ينف أي شخص معنى ما حدث في عملية الفض وجود السلاح في "رابعة" وبكميات كبيرة وبأنواع مختلفة. وغداة ذكرى الفض، وفي يوم واحد فقط، ظهرت شهادتان إحداهما من مراسل نيوزويك في القاهرة، والأخرى من قيادي في حزب البناء والتنمية التابع لـ"الجماعة الإسلامية"، وكلاهما أكد رؤيته "السلاح" و"استخدام المعتصمين للسلاح" و"مخزن للسلاح".

ثالثاً:

الشرطة المصرية أتاحت ممراً آمناً، وناشدت المتجمعين للخروج الآمن، وصبرت 47 يوماً قبل الفض، الذي سعت أن يكون سلمياً.

استمر الاعتصام في "رابعة العدوية" و"النهضة" 47 يوماً متواصلة، وقد حرصت السلطات المصرية خلال تلك الفترة على السير في أكثر من اتجاه، حيث قامت بتأمين التجمعين، وعقدت سلسلة من المفاوضات التي جرت في ظل وجود وسطاء عرب وأجانب، بهدف فض التجمعين سلمياً، وهو الأمر الذي لاقى تعنتاً من الجانب "الإخواني" بحسب ما أقر به نشطاء من التيار الإسلامي المتحالف مع "الإخوان" لاحقاً.

رابعاً:

الشرطة لم تبدأ بإطلاق النار، والشرارة الأولى كانت مقتل ضابط كبير كان يحاول دعوة المتجمعين إلى الخروج الآمن مستخدماً مكبر صوت.

بحسب معظم الشهادات المتوافرة من جهات محايدة؛ فقد كانت أجواء الفض طبيعية في ساعات الصباح الأولى، ولم يكن هناك سوى إطلاق نار متفرق، وبعض المعارك الصغيرة التي جرت على أطراف ميدان "رابعة" في شارع الطيران وغيرها، وهي عمليات لم تؤد إلى حصيلة من القتلى أو الجرحى كبيرة.

ووفق تلك الشهادات فإن نقطة التحول الرئيسة في مسار عملية الفض جاءت بحلول الساعة الثانية بعد الظهر حينما توجه أحد الضباط الكبار إلى دار المناسبات (حيث عُرف لاحقاً أن مسلحين كانوا يتمركزون فيها)، مطالباً المتجمعين بها بالمغادرة عبر الممر الآمن، ومتعهداً بعدم ملاحقتهم أو المساس بهم.

لكن عناصر من المتجمعين في الدار بادروا بإطلاق النار على الضابط، فأردته قتيلاً، وهنا حدث إطلاق نار "جنوني" وفق شهادة مراسل نيوزيوك في القاهرة، أو "غير متناسب" وفق تقرير المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، مما أوقع قتلى كثيرين.

خامساً:

 عملية الفض كانت تستند إلى أوامر قضائية، والسكان المحليون تعرضوا لفظاعات بسبب سلوك أنصار "الإخوان"، والمتجمعون ارتكبوا جرائم عديدة منها القتل والخطف والاحتجاز والتعذيب والتحريض على العنف والسطو على ممتلكات الدولة.

لقد تم توثيق العديد من الجرائم التي تم ارتكابها خلال عملية التجمع في "رابعة" و"النهضة"؛ وهي جرائم مسجلة بالصوت والصورة، وبعضها تم إصدار الأحكام بشأنه، إضافة إلى ذلك، فقد جرت عمليات إرهابية عديدة في مواكبة عملية الفض وبعدها، وهي العمليات التي طالت الكثير من المحافظات، وشهدت هدم وتخريب وحرق عشرات الكنائس ومقتل العشرات من المواطنين الأبرياء، ويكفي في هذا الصدد التذكير بجريمة اقتحام قسم كرداسة وقتل كل من فيه من ضباط وجنود والتمثيل بجثثهم.

سادساً: "الإخوان" يمارسون الإرهاب.

إن المدافعين عن أنصار "الإخوان" الذين راحوا ضحايا عملية فض "رابعة" و"النهضة" راهناً سيجدون مشقة كبيرة في القفز على حقيقة أن "الإخوان" يمارسون إرهاباً جلياً في الوقت الحالي ضد الدولة المصرية.

ففي ذكرى الفض قام "الإخوان" وحلفاؤهم بقتل المصريين، وتفجير المنشآت، وزرع العبوات الناسفة، وتفخيخ محطات الكهرباء وأبراج الضغط العالي، وقطع الطرق، واستهداف رجال الأمن.

إن العمليات الإرهابية التي قام بها "الإخوان" واضحة ومعلنة ولا يوجد أي دحض لها أو تبرؤ منها، ومع ذلك، فإن البعض يبقى مسلوبا للقصة المزيفة المصطنعة إما "جهلاً" أو "انتهازا"، وهو أمر لن يستمر طويلاً لأن الحقائق أبلغ وأقوى من أن تطويها الأباطيل.

* كاتب مصري

back to top