تسعى جهات مسيحية سياسية وحزبية وروحية لبنانية بارزة الى الاتفاق على خريطة طريق للتعاطي مع الانتخابات الرئاسية المقبلة من الزاوية الدستورية بحيث تقطع الطريق على تعطيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية إذا بقيت الأمور على ما هي عليه اليوم من انقسامات وخلافات داخلية امتدادا للصراع الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط.

Ad

وقد تبين الأسبوع الماضي أن «القوات اللبنانية» تسعى عبر نائب رئيسها جورج عدوان الذي زار الصرح البطريركي الماروني والتقى البطريرك بشارة الراعي الى إقناع بكركي بتبني وجهة نظرها واقناع الفرقاء المسيحيين الآخرين بالسير فيها، وهي تقوم على أساس التزام مسيحي معلن بحضور أول جلسة لمجلس النواب يدعو إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية بهدف تأمين النصاب بمعزل عن موازين القوى المتعلقة بحظوظ المرشحين للرئاسة.

وفي الحسابات السياسية للقوات اللبنانية، فإن نحو ستين نائباً من «قوى 14 آذار» بكل تلاوينها السياسية والحزبية والطائفية مع بعض النواب المستقلين والنواب المحسوبين على النائب وليد جنبلاط مستعدون لحضور الجلسة، مما يعني في حال حضور كتلتي النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية بتدخل ضاغط من بكركي يؤدي الى ميثاق شرف والتزام علني مسبق بحضور الجلسة فرصة كبيرة جدا لتأمين نصاب الثلثين وترك الآلية الدستورية تأخذ مجراها في انتخاب رئيس للجمهورية بمعزل عن هوية المرشح، ما ينقذ موقع الرئاسة من الفراغ ويجنب لبنان أزمة دستورية جديدة على مستوى المؤسسات.

وبحسب جهات سياسية واسعة الاطلاع فإن مثل هذا السيناريو يضع لبنان والطبقة السياسية فيه أمام خيارات متعددة أبرزها:

1 - إحجام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدعوة الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية مع بدء المرحلة الدستورية. لكن مثل هذا الموقف من بري سيصطدم بالنص الدستوري الذي يعتبر المجلس النيابي منعقدا حكما قبل عشرة أيام من موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي للجمهورية سواء دعا بري الى الجلسة أو لم يدع. وبحسب التوقعات فإن بري ومن ورائه قادة الطائفة الشيعية سيثيرون ملفا يعتبرونه ميثاقيا لناحية انعقاد جلسة لمجلس النواب برئاسة نائب الرئيس الأرثوذكسي فريد مكاري. كما سيثيرون مسألة ميثاقية جلسة مجلس النواب في غياب الأكثرية الساحقة من نواب الطائفة الشيعية مستعيدين في ذلك رفضهم الاعتراف بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد استقالة الوزراء الشيعة منها على الرغم من أنها بقيت تحتفظ بأكثرية الثلثين، علما أن عشرات مشاريع القوانين التي سبق لهذه الحكومة أن أقرتها وأحالتها على المجلس النيابي لاتزال عالقة في أدراج الرئيس نبيه بري بحجة عدم دستوريتها لكونها أقرت في حكومة يعتبرها بري وفريقه السياسي والطائفي غير ميثاقية. وبالتالي فإن انتخاب رئيس للجمهورية في غياب كتلتي بري وحزب الله سيدفع قسما كبيرا من «قوى 8 آذار» الى رفض الاعتراف بشرعية الرئيس المنتخب ودستوريته مما سيدخل البلاد في أزمة جديدة.

2 - تعبر قيادات سياسية بارزة في «قوى 14 آذار» عن قناعة راسخة لديها بأن خريطة الطريق التي تقترحها القوات اللبنانية وإن كانت تؤيد سير «قوى 14 آذار» فيها، لن يكون دورها سوى حشر الفريق الآخر سياسيا وكشف حقيقة نواياه أمام الراي العام اللبناني والعربي والدولي، على اعتبار أن حزب الله سيكون على أتم الاستعداد لاستخدام القوة العسكرية والأمنية لتعطيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية من خارج صفقة سياسية يوافق عليها مسبقا تشمل شخصية الرئيس وحكومة العهد الأولى وقانون الانتخاب الذي ستتم على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة. 

وترى القيادات المذكورة أن حزب الله يرى في الاستحقاق الرئاسي المقبل فرصة لمزيد من وضع اليد على المؤسسات الدستورية والحياة السياسية في لبنان، وهو لن يسمح بتحويل المناسبة الى فرصة لتقليم أظافره وإضعافه سياسيا وعسكريا في ظل قراءته الخاصة لتطورات الوضع في المنطقة من سورية الى إيران، وهي قراءة ترى أن الحزب وحلفاءه المحليين والإقليميين رابحون من التطورات على نحو يسمح للحزب بترجمة دستورية وسياسية في لبنان لما يعتبره ربحا ميدانيا في سورية ودبلوماسيا في إيران.

وتخلص القيادات البارزة في قوى 14 آذار الى تأكيد أن لبنان مقبل على تعقيدات جديدة تزيد حدة أزمته، وأن الحل لا يمكن أن يكون تقنياً – دستورياً – محلياً – مسيحيا. غير أن هذه القيادات لا ترى ضيرا في السير بما تقترحه القوات اللبنانية بمعزل عن حظوظ نجاح بكركي في إلزام النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية به خصوصا إذا كان جزءا من استراتيجية متكاملة لـ «قوى 14 آذار» من أجل التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي المقبل.