عولمة الأمن الأوروبي

نشر في 26-12-2013
آخر تحديث 26-12-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن الأمن العالمي - البيئة السلمية الخالية من الصراع- تشكل منفعة عامة. وبعبارة أخرى، نستطيع أن نقول إن كل بلدان العالم ومواطنيه يستفيدون من الأمن العالمي، بغض النظر عمّا إذا كانوا يساهمون في توفيره. ومن هنا من المرجح أن يكون ركاب المجان (أولئك الذين يتمتعون بالمزايا الطيبة من دون الاستثمار في تقديمها) كثيرين. ولكن عندما يتعلق الأمر بالاستقرار العالمي، فإن العالم لا يستطيع ببساطة أن يتسامح مع أوروبا التي تركب بالمجان.

ونظراً لماضي أوروبا العنيف، فإن أعظم إسهامات الاتحاد الأوروبي في الأمن الدولي كان ضمان الاستقرار في منطقته. واليوم، بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، أصبح السلام والاستقرار راسخين بقوة في أوروبا.

ولكن بعض المناطق الأخرى تعاني التقلب وعدم الاستقرار. على سبيل المثال، تفتقر بؤر استراتيجية مشتعلة مثل الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا إلى الهياكل الأمنية الإقليمية التي تنعم بها أوروبا. والقرب الجغرافي من الشرق الأوسط يعني أن أوروبا لا يمكنها أن تتجاهله، ومن الحماقة أن تتجاهل أوروبا الثِقَل الاقتصادي لمنطقة جنوب شرق آسيا. إن الاتحاد الأوروبي يُعَد المنطقة الاقتصادية الأضخم على مستوى العالم، حيث يتجاوز ناتجه المحلي الإجمالي 15.5 تريليون يورو (21.3 تريليون دولار أميركي)، وأكبر قواه التجارية، حيث يمثل نحو 20 في المئة من التجارة العالمية. ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي لابد أن يتطلع إلى زيادة إسهامه في الأمن العالمي بما يتجاوز حفظ السلام بين بلدانه الأعضاء. فهذا ليس وقت الارتكان إلى أمجاد الماضي في أوروبا، خصوصاً مع تحرك الولايات المتحدة لتخليص نفسها من حربين ومقاومة الدوافع الانعزالية.

والآن يقترب اجتماع المجلس الأوروبي هذا الشهر؛ ففي التاسع عشر والعشرين من ديسمبر، يجتمع رؤساء دول وحكومات 28 بلداً عضواً في الاتحاد الأوروبي لمناقشة سياسة الأمن والدفاع المشتركة. ومن الأهمية بمكان في إطار هذه المناقشات الحفاظ على رؤية طموحة متطلعة إلى المستقبل من أجل تحقيق استراتيجية أمنية أوروبية عالمية حقاً. ومن المؤسف أن الزعامة اللازمة لتحقيق هذه الرؤية الاستراتيجية غائبة عن الحكومات الوطنية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي على حد سواء.

وستواجه القمة عقبات عدة منذ البداية. فبادئ ذي بدء، تستمر العواقب المتواصلة المترتبة على الأزمات الاقتصادية والسياسية والمؤسسية المتزامنة في تحديد الأجندة الأوروبية. ويصبح تحقيق الرؤية الطويلة الأمد أكثر صعوبة من أي وقت مضى عندما تتجسد في نفس الوقت كل الضرورات القصيرة الأجل، على سبيل المثال لا الحصر، إنعاش النمو وتشغيل العمالة، والفوز بالانتخابات، وإعادة إشراك عامة الناس الذين فقدوا الثقة في المؤسسات الأوروبية وسط المشاعر الشعبوية المتنامية. وفي هذه البيئة، قد يبدو تعميق التكامل الدفاعي والأمني في أوروبا متدنياً في الأهمية على قائمة الأولويات. ولكن العكس هو الصحيح، إذ يشكل تطوير سياسة الأمن والدفاع المشتركة ضرورة أساسية لبقاء أسلوب الحياة الأوروبي.

وسيرسي المجلس هذا الشهر أسس تطوير سياسة الأمن والدفاع المشتركة من خلال معالجة ثلاثة مواضيع رئيسية: كفاءة العمليات، والقدرات الدفاعية، وحالة الصناعة الدفاعية الأوروبية. وإذا كان لسياسة الدفاع والأمن في الاتحاد الأوروبي أن تصبح قوية وعالمية وفعّالة فلابد من الاستفادة من التخصص وتجميع تكنولوجيات وموارد البلدان الأعضاء. ومع تقلص الميزانيات الوطنية تحت وطأة التقشف، فيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يراجع إنفاق البلدان الأعضاء على الأمن. ومن الحماقة أن تستثمر كل حكومة وطنية مواردها المحدودة بشكل متطابق. وتنطوي هذه اللحظة على إمكانات هائلة؛ فمن الممكن تحويل خفض الإنفاق إلى فرصة لتنسيق ودمج صناعة الدفاع في أوروبا، وبالتالي تعظيم الكفاءة الإجمالية.

ولابد أن يكون الهدف تعزيز التكامل الأمني الأوروبي "بأوسع معانيه"، ورفع أوروبا إلى صدارة الأمن العالمي. ومع تقدم البلدان الأعضاء على هذا المسار، يدفعها إلى الأمام التقدم التكنولوجي والتشغيلي والإبداع، فإنها ستجد السبيل إلى القضاء على الإنفاق غير الضروري واستخدام الموارد على النحو الأمثل. ولن تتمكن صناعة الدفاع في أوروبا من تحقيق أي تقدم في غياب سوق جيدة الأداء- مفتوحة وشفافة وتعمل على أساس من تكافؤ الفرص لكل الموردين الأوروبيين. ويؤدي التقدم في صناعة الدفاع إلى عوامل خارجية إيجابية كبيرة، مثل التآزر بين المؤسسة المدنية والعسكرية والاستثمار في البحث والتطوير، والذي يشكل ضرورة أساسية لتحقيق النمو والإبداع واكتساب المزيد من القدرة التنافسية.

وتُعَد وكالة الدفاع الأوروبية أحد العناصر الحاسمة في التنسيق والتوظيف السليم لسياسة الأمن والدفاع في أوروبا. ويتعين على الزعماء في القمة المقبلة أن يؤكدوا أهمية وكالة الدفاع الأوروبية، التي ظلت ميزانيتها مجمدة بسبب إصرار بعض البلدان الأعضاء.

من قبيل عدم الشعور بالمسؤولية أن نتعامل مع اجتماع المجلس في ديسمبر باعتباره مجرد قمة أخرى. فأوروبا والعالم غير المستقر على نحو متزايد في احتياج إلى إطار صالح للأمن العالمي. ولابد أن تكون سياسة الأمن والدفاع المشتركة التامة النضج - والتي تشكل في حد ذاتها حجر الزاوية للمزيد من التكامل الأوروبي- عنصراً أساسياً في مثل هذا النظام.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن، الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وزير خارجية إسبانيا سابقاً. ويشغل حالياً منصب رئيس مركز إيساد (ESADE) للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية وزميل متميز لدى "معهد بروكينغز".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top