الاختبارات المتعدّدة الخيارات تعيق التفكير النقدي

نشر في 11-02-2014
آخر تحديث 11-02-2014 | 00:02
هل يجب استعمالها في حصص العلوم؟

عند التجول في قاعة المحاضرات، نلحظ الجو العام فوراً. لكن رغم صوت تصفح الورق والنقر على الأجهزة والهمسات التي تعكس مشاعر القلق، يعمّ السكوت في الغرفة. يفصل كرسي فارغ بين طالب وآخر. ظاهرياً، تبدو تلك المسافة صغيرة لكن حين تُوزَّع أوراق الامتحانات، يستحيل تجاوز تلك المسافة. الكلام ممنوع! هذا غش! العملية تقتصر على الطالب والامتحان والدوائر المرسومة على ورقة الأجوبة. تلك الدوائر المشؤومة...
كل من حضر صف العلوم في الجامعة يعرف جيداً معنى الاختبار المتعدد الخيارات. يبدو الاختبار مبتكراً في بساطته وهو يشمل مجموعة من الأسئلة ولائحة قصيرة من الأجوبة بعد كل سؤال. على الطالب أن يحدد بنفسه الجواب الصحيح. في ما يلي مثال على ذلك:

 أي من المناهج التالية هي الأهم في علم النفس؟

أ. التحليل النفسي

ب. البنيوية

ج. طب النفس

د. حركة العصر الجديد

استُعملت استراتيجية الاختبار هذه منذ عقود، مع إحداث بعض التعديلات والانصياع الضمني لوضع المراوحة. بالنسبة إلى الأساتذة، إنها طريقة سهلة وموضوعية وفاعلة لتقييم مستوى فهم المواد عند أعداد كبيرة من الطلاب. قد يعتبر الطلاب من جهتهم أنها طريقة باردة وصارمة، لكنها تعكس معياراً عالمياً (وقد اعتادوا عليها) وهي تقدم فرصة حقيقية لتخمين الجواب الصحيح.

يعتبر النقاد أن الاختبارات المتعددة الخيارات تشجع على أمرين: التلقين والاستظهار، والتنسيق بين اليد والعين (ملء الدوائر الصغيرة مهمّة صعبة على نحو خادع). بما أن العلوم لا تتعلق بحفظ واجترار الوقائع، ما الذي يبرر تقييم العلماء المستقبليين بهذه الطريقة؟

مقارنةً بالاستظهار، تظن الأستاذة كاثرين ستانغر هول من جامعة جورجيا أن مهارات التفكير النقدي تكون أكثر نفعاً للعلماء الطموحين وللطلاب بشكل عام. لكن لسوء الحظ، تعجز الجامعات عن تعليم هذه المهارات. وجدت دراسة جرت في عام 2011 أن 46% من طلاب الجامعات لا يكتسبون مهارات التفكير النقدي خلال أول سنتين من الجامعة، ولا يكتسب 36% منهم أي مهارات مماثلة بعد أربع سنوات. تطرح ستانغر هول نظرية مفادها أن الاختبارات المتعددة الخيارات تعزز هذه الإحصاءات الكئيبة. في عام 2012، أطلقت تجربة صغيرة على صفّين من طلاب علم الأحياء التمهيدي.

صحيح أن كل صف تعلّم بالطريقة نفسها، لكن تم تقييم أحد الصفين (شمل 282 طالباً) عبر استعمال نهج تعدد الخيارات التقليدي حصراً بينما تم تقييم الصف الآخر (192 طالباً) عبر اختبارات {مختلطة} شملت 30 سؤالاً متعدد الخيارات وثلاثة أو أربعة أسئلة مغايرة تتطلب أجوبة قصيرة أو ملء الفراغ أو الكتابة على رسم بياني. في نهاية السنة، خضع كل صف لامتحانات نهائية شملت 90 سؤالاً مشتركاً لها خيارات متعددة، ثم خضعت علامات الطلاب للمقارنة.

أداة تقييم ممتازة

بعد تصحيح مسابقات الطلاب، لاحظت ستانغر هول أن الطلاب الذين أجابوا عن أسئلة {مختلطة} حصدوا علامات أعلى في تسعين سؤالاً مع خيارات متعددة مقارنةً بالطلاب الذين اكتفوا بالاختبارات المتعددة الخيارات: 67.35% مقابل 64.23%. عند التدقيق بالنتائج، استنتجت ستانغر هول أن الاختلاف برز بشكل أساسي لأن الطلاب الذين خضعوا للاختبارات {المختلطة} تفوقوا على الفئة الثانية في الأسئلة المتعددة الخيارات التي تتطلب مستوى أعلى من التفكير: 64.4% مقابل 59.54%.

اختصرت ستانغر هول الوضع قائلة: {الهدف من الدراسة كان تقييم ما إذا كان الاختبار المتعدد الخيارات وحده يعيق تطور مستوى أعلى من مهارات التفكير النقدي عند طلاب العلوم التمهيدية. يمكن الإجابة بكل ثقة: نعم!}.

بحسب ستانغر هول، سيكون استبدال جزء أساسي من الأسئلة المتعددة الخيارات بأسئلة تتطلب أجوبة قصيرة {استراتيجية فاعلة لتحسين مهارات التفكير النقدي لدى طلاب الجامعات}. لكنّ توصياتها ليست الخيار الحيوي الوحيد. تحث الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي جوان مونتبار التي علّمت في الجامعات طوال 15 سنة على تطبيق مقاربة مختلفة بعض الشيء، وقد بدأت تطبّقها بنفسها بنجاح كبير. تقول إن الاختبارات المتعددة الخيارات هي أداة تقييم ممتازة. لكن مثل أي أداة أخرى، يجب أن تكون مصمَّمة بدقة وأن تُستعمل بشكل صائب. وصفت مونتبار أساليبها المبتكرة لتقييم الطلاب في عدد أكتوبر 2005 من صحيفة The Observer:

{يأتي الطلاب إلى الصف وهم مستعدون لأي اختبار متعدد الخيارات، فيقدمون الامتحان ثم يأخذونه معهم إلى المنزل ويراجعون كل سؤال لتقييم ما إذا كانت أجوبتهم هي الأفضل. يمكن أن يستعمل الطلاب الملاحظات التي دوّنوها في الصف أو يناقشوا الأسئلة مع زملائهم (نشجع على هذا النوع من التعاون!). حين يقومون بذلك، يمكن أن يغيروا أجوبتهم. يعيد الطلاب الامتحان خلال الحصة اللاحقة وتحدد النسخة التي صححوها علامتهم النهائية على الشكل الآتي: مقابل كل جواب صحيح (لا تغيير)، يحصل الطالب على علامة كاملة. ومقابل كل جواب تم تصحيحه (من جواب خاطئ إلى جواب صحيح)، يتلقى الطلاب نصف العلامة. أما الأجوبة الخاطئة في الحالتين، فلا تتلقى أي علامة}.

ربما تتعلق أكبر منفعة في طريقة مونتبار بجانب واحد: بدل التركيز على حفظ المواد مسبقاً، يقوم الطلاب بالأبحاث بكل حيوية ويتعانون معاً لإيجاد الأجوبة وفهمها أيضاً. تبدو هذه الطريقة أقرب بكثير إلى النهج المطبَّق في مجال العلوم.

back to top