لا جدال في أنَّ غالبية الشعب المصري تعتبر الفريق الأول عبدالفتاح السيسي رمزاً وطنياً بمستوى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما كان في ذروة تألقه قبل هزيمة يونيو المنكرة في عام 1967، ولهذا فليس ضرورياً أن تكون هناك عمليات تحشيد للترويج لترشيحه للرئاسة المصرية في الانتخابات المقبلة، التي ستكون محطة الانطلاق الأولى لقطار المرحلة المقبلة التي ستكون بالتأكيد حداً فاصلاً في مسيرة هذا البلد، العريق العظيم، الحضارية، وبالطبع السياسية والاقتصادية.

Ad

كانت خطوة الجنرال السيسي في الثلاثين من يونيو الماضي، التي هي خطوة القوات المسلحة المصرية، والتي جاءت استجابة لرغبة الشعب المصري الذي خرجت منه عشرات الملايين إلى الشوارع في ذلك اليوم المشهود، أهم كثيراً من حركة الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبدالناصر في عام 1952، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار الفرْق بين حُكْم الملك فاروق في تلك الفترة المتقدمة وبين حكم حزب متمكن يحظى بدعم هائل حتى من الولايات المتحدة، وبالطبع من بعض الدول العربية، ومن تركيا رجب طيب أردوغان، وبترويج إعلامي مكثَّف لا يزال مستمراً حتى الآن.

لقد كان حكم الملك فاروق في بدايات خمسينيات القرن الماضي في أسوأ أحواله، فالاهتراء وصل به إلى حد أنَّ سقوطه لم يكن يحتاج إلا إلى هزة خفيفة، والقوات المصرية التي كانت قد عادت للتوّ من فلسطين كانت ممتلئة بالأحقاد بسبب فضيحة الذخائر التالفة المعروفة، وبسبب ما كانت تراه من انحرافات وفساد في المجموعات الحاكمة، وهذا ما جعل تلك الحركة العسكرية التي قام بها جمال عبدالناصر مطلباً شعبياً كان الشعب المصري كله ينتظر تحقيقه.

أما حكم الإخوان، مع أنه قد وصل إلى الاهتراء منذ الشهور الأولى، فإنه بقي يحظى بقاعدة حزبية صلبة كانت تنتظر أن يصبح حزبها أي "جماعة الإخوان المسلمين" الحزب الأوحد، وأن يصبح محمد مرسي الزعيم الوحيد، وكانت على استعداد للقتال دفاعاً عن هذا الحكم حتى النفس الأخير، وكانت الولايات المتحدة، قبل أن تغير رأيها متأخرة، تعتبر أن تلك المرحلة البائسة هي مرحلتها، بينما كانت بعض الدول العربية لا تبخل على هذه "الجماعة" بالأموال ولا بالمساندة الإعلامية الفاعلة ولا بالمواقف السياسية.

ولهذا فإنه ليس من قبيل المبالغة أن نقول إنَّ حركة الثلاثين من يونيو الماضي أهم من حركة "الضباط الأحرار" في عام 1952، وأن الفريق أول عبدالفتاح السيسي ليس أقل شأناً وأهمية من البكباشي جمال عبدالناصر، وذلك على اعتبار أن إطاحة حكم الإخوان المسلمين، مع أن إطاحته أصبحت مطلباً شعبياً لغالبية الشعب المصري، كانت أصعب كثيراً من إطاحة حكم فاروق، وعلى اعتبار أن هذه "الجماعة" لها امتدادات دولية وعالمية مؤثرة، وتتلقى دعماً فعلياً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومن دولٍ إقليمية كبرى مثل تركيا وإيران.

ولذلك فإنه يجب النظر إلى ضرورة ترشُّح الجنرال السيسي للانتخابات الرئاسية المقبلة على أنه تحصيل حاصل، وأنه مطلبٌ للشعب المصري بغالبيته الكاسحة، وهنا لابد من إدراك أنَّ امتناع هذا الرجل الرَّمز، الذي أصبح عنواناً لمرحلة واعدة مقبلة، عن الترشح سيؤدي إلى انتكاسة كبيرة، وسيجعل كل الذين راهنوا عليه سابقاً ولاحقاً يقولون له: "إنَّ من يمدّ يده إلى الحنَّاء يجب أن يمدها إلى القطع"... ولذلك فإنه كان على وزير الدفاع ألا يقوم بهذا الإنجاز العظيم إذا كان يخشى من استكماله بخطوة جديدة هي خوض معركة الانتخابات الرئاسية بدون أي تردد!