حال المبدع في وطني!

نشر في 12-01-2014
آخر تحديث 12-01-2014 | 00:01
يتم سحق المبدعين يوميا في بلدي، إما بمحاربتهم مباشرة على يد من يكرهون تميزهم أو تحجيم أفكارهم وتسفيهها وتقييد إبداعهم والحط منه، وإما بقلة رعايتهم والاهتمام بعملهم ودعمه، وإما بحبس التقدير عنهم ومساواتهم مع من لا يعملون ولا يقدمون شيئا، وما أكثر هؤلاء، لينتهي بهم الأمر في براثن اليأس والإحباط.
 د. ساجد العبدلي المبدع متمرد بطبيعته... لا يطيق الإطارات، يكره القيود ولا يحب الحدود، والإبداع هو أفضل تعبير عن الحرية، كما يقول الكاتب الأميركي الشهير براينت ماغيل، ولأن المبدع عاشق للحرية، فحين تُسلب منه يذوي ويذبل ويموت، كما تموت الأزهار حين يمنع عنها ضوء الشمس أو يحبس عنها الماء!

حين يمنع المبدع من أن يمارس إبداعه، يكون كالطائر الذي تكسر أجنحته... والطائر الذي لا يطير لا يستطيع العيش!

البيئة المغلقة المحكمة، الشبيهة بالمعسكرات، بيئة طاردة للإبداع، قاتلة للابتكار، لا يعيش فيها المبدعون، فإن وجدوا أنفسهم فيها، فإما أن يهربوا أو يموتوا!

يقول صاحبي: منذ سنوات، كنت للتو عائداً من دراستي العليا في الخارج في تخصصي النادر. عدت محملاً بعشرات الأحلام والطموحات للتغيير والتطوير، وبمئات الأفكار الجديدة المختلفة التي تعلمت أنها ستضيف الكثير لجودة العمل في مقر عملي. كنت يومها للتو قد عينت في وظيفة استشارية مرموقة في إحدى المؤسسات الحكومية خلفا لمستشار أحيل إلى التقاعد بعد خدمة عقدين من الزمان أو أكثر.

يقول: باشرت عملي بكل حماس وهمّة، وشرعت أضع تصوراتي وأعد مشاريعي وأجمع وأرتب أفكاري للتطوير وزيادة الإنتاج، وأحملها جميعا إلى مدير الإدارة، واستمر اندفاعي وحماسي هكذا قرابة الشهرين، وذات مرة، وفي أحد الاجتماعات، وقبل أن أبدأ بعرض ما لدي بادرني المدير قائلا: يا فلان، المستشار الذي قبلك عمل عندنا لأكثر من عشرين سنة، ولم أره في مكتبي إلا لمرات تعد على الأصابع، في حين أني رأيتك في مكتبي لعشرات المرات خلال شهرين... يا عزيزي لا نريد أن نغير شيئا... اعمل بذات الطريقة التي كان يعمل بها المستشار السابق ووفر علينا جميعا هذا الصداع والإزعاج!

يقول صاحبي: عدت يومها إلى مكتبي وأغلقت بابي كمن تلقى للتو صفعة باردة على وجهه. وظللت أعمل هناك طوال ثلاث سنوات لا أفعل شيئا سوى تصريف روتين الأوراق المعتادة وتصفح الجرائد والإنترنت طوال اليوم، حتى تقدمت باستقالتي ونجوت بنفسي إلى مكان آخر!

صاحبي هذا ليس سوى مثال واحد من عشرات الأمثلة المبدعة الطموحة التي يتم نحر إبداعها وتميزها، وقتل طموحها، على مذابح الروتين والبيروقراطية.

يتم سحق هؤلاء المبدعين يوميا في بلدي، إما بمحاربتهم مباشرة على يد من يكرهون تميزهم أو تحجيم أفكارهم وتسفيهها وتقييد إبداعهم والحط منه، وإما بقلة رعايتهم والاهتمام بعملهم ودعمه، وإما بحبس التقدير عنهم ومساواتهم مع من لا يعملون ولا يقدمون شيئا، وما أكثر هؤلاء، لينتهي بهم الأمر في براثن اليأس والإحباط.

القيادة الحقيقية هي وحدها التي تعرف قيمة الإبداع وأهميته، وهي التي تعتني بالمبدعين وترعاهم، وهي التي توفر لهم البيئة الصالحة للعمل والإنتاج والتميز، لتجني الثمرة وتستفيد منها لمصلحة الجميع.

وحتى نحظى بمثل هذه القيادة في مؤسسات الدولة، فلا بديل اليوم عن الهرب وخوض غمار العصامية والعمل الشخصي والخاص.

back to top