بدأ قادة بعض أكبر الدول النامية بما فيها الصين والهند وتركيا وجنوب إفريقيا يتصرفون أكثر فأكثر على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويبدو أن الديمقراطية بمفهومها الغربي ستُضطر إلى التنافس مع سلسلة جديدة من أنظمة الحكم المستبدة، تماماً كما فعلت مع الشيوعية خلال الحقبة السوفياتية.

Ad

أخبر كسي جينبينغ بوتين السنة الماضية: "أشعر أن شخصيتينا متشابهتان"، وشُبه هذا القائد الصيني منذ ذلك الحين بالرئيس الروسي لأنه طبّق عدالة انتقائية ضد خصومه السياسيين، وتباهى بتخلصه شخصياً من الفساد، بدل أن يبني مؤسسات تتصدى له، فقد اشتهر بوتين بتركيز جهوده المناهضة للفساد على أعدائه مثل قائد المعارضة أليكسي نافالني، لا على أصدقائه الأثرياء الذين يتقنون على نحو غريب الفوز بعقود الحكومة.

حذّر المؤرخ وليام دالريمبل علانية من أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد يتحول إلى "بوتين هندي"، وسرعان ما عزز مودي، الذي مارس الضغوط على الصحافيين المعارضين وناشطي حقوق الإنسان خلال إدارته ولاية غوجارات، هذه المقارنة بإرساله كتباً تحتوي على نسخة وطنية متطرفة من التاريخ إلى تلاميذ المدارس في الولاية، مما يذكر برؤية بوتين عن كتاب تاريخ واحد موحد لروسيا كلها.

ازدادت نزعة رجب طيب أردوغان البوتينية خلال العقد الثاني الذي أمضاه في قيادة تركيا، فقد قمع تظاهرات كبيرة في الشارع نظمتها المعارضة الليبرالية واليسارية، كذلك باتت كل فروع السلطة في تركيا تحت سيطرته، في حين يستعد ليصبح رئيس البلاد الأقوى بعد مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك، وعلى غرار بوتين لا يثق أردوغان بشبكات التواصل الاجتماعي، ويعتقد أن خصومه خونة، ويتحدث عن مخاطر خارجية كي يزيد شعبيته في الداخل.

وصف صحافي واحد على الأقل جاكوب زوما في جنوب إفريقيا وبوتين بـ"أخوين بالروح"، فكلاهما خطر، ويتحدران من الخلفية ذاتها: بوتين عضو سابق في الاستخبارات السوفياتية (KGB)، في حين أدار زوما العمليات الاستخباراتية للمؤتمر الوطني الإفريقي في المنفى.

تكثر المقارنات ذاتها في دول عدة حول العالم، فقد اتُّهم رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق بالعودة إلى الحكم المستبد وقمع حرية الصحافة، أما رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر، فدعمت غزو القرم واتهمت الغرب باعتماد معايير مزدوجة في التعامل مع القرم وجزر فوكلاند المتنازع عليها.

لا يعني ذلك أن بوتين بحد ذاته شرير بطبعه أو معدٍ، فلا تظهر أهم أوجه الشبه بين القادة أنفسهم، بل بين كل الأنظمة المستبدة بغض النظر عن القارة التي نراها فيها: ولعل أبرزها الآتي:

1- تتخطى سلطة القائد الشخصية ما يمنحه إياه القانون، أو تسمح هذه السلطة للقائد بأن يعدّل القانون عند الحاجة.

2- العدالة انتقائية وتخفي وراءها دوافع سياسية ("لأصدقائي كل شيء ولأعدائي القانون")، وتتخذ غالباً شكل حملات لمحاربة الفساد.

3- لا تبلغ الرقابة على وسائل الإعلام حد القمع المتشدد، إلا أنها تكبح الآراء المنشقة.

4- يربط النظام نفسه "بقيم تقليدية"، التاريخ المعدّل، والخطاب الوطني المتشدد (وأحياناً العمل الوطني).

5- يعبّر القادة عن استيائهم من "المعايير المزدوجة" الغربية و"الوعظ" الغربي، معتقدين أن الغرب يعمل بالطريقة الملتوية ذاتها، إنما في الخفاء. لا تشكل هذه خصائصَ مجموعة صغيرة من الدول المارقة، بل بهذه الطريقة تُحكم أمم العالم الشعبوية باقتصاداتها الناشئة وقوتها الجيو-سياسية، إذ تسنى للنسخة الغربية من الديمقراطية الانتشار بعد سقوط الشيوعية في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها فشلت في التأصل في الأماكن التي تتركز فيها قدرات العالم الاقتصادية غير المستغَلة. على العكس، بدد الغرب فرصته بتدخله بطريقة مريبة تخدم مصالحه في شؤون العالم الناشئ، فأفسد حملة التسويق للديمقراطية: صحيح أن من الصعب انتقاد القيم الديمقراطية بحد ذاتها، إلا أن السياسيين الذين نصبوا أنفسهم داعمين لها لم يكونوا أهلاً لهذه المهمة. هذا ما عبّر عنه مايكل ماكفول، السفير الأميركي السابق إلى روسيا، بطريقة أكثر لباقة في مقال نُشر في صحيفة "نيويورك تايمز" في شهر مارس الماضي: "ما عادت الولايات المتحدة تملك السلطة الأخلاقية ذاتها كما في القرن الماضي. واجهتُ بصفتي سفيراً صعوبة في الدفاع عن التزامنا بالسيادة والقانون الدولي عندما سألني الروس: "ماذا عن العراق؟". بالإضافة إلى ذلك، لا تؤثر بعض ممارسات الولايات المتحدة الراهنة للديمقراطية إيجاباً في المراقبين في الخارج، ولكي نفوز في هذا الصراع الجديد فإن علينا أن نعيد للولايات المتحدة مكانتها كنموذج يُحتذى به".

على الأمم الديمقراطية أن تبذل مجهوداً أكبر للقيادة بمثالها، وهكذا يتحول نموذج حكمها إلى مصدر جذب أقوى للأمم الناشئة، مقارنة بوصفات الحكم المستبد البسيطة والسهلة.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky