معظم مواجهات النواب أو النقابات والاتحادات مع الحكومة وكذلك الحلول والمفاوضات تتمحور حول أمر واحد هو المال.

Ad

فمن زيادات علاوة الأولاد ثم رفع بدل الإيجار إلى رفع الدعم المقدم للقرض الإسكاني مروراً بدخول الأزمة بين النقابات ومؤسسة البترول حول الحوافز المالية ومكافأة النجاح... نجد المال حاضراً في كل أزمة ودائماً ما تكون المواجهة عليه وعلى حجمه، ثم المفاوضات للوصول إلى صيغة تراضٍ أشبه ما تكون بإبرة تخدير تُسكِّن المطالبات فترة ثم تعود مجدداً بعد أشهر أو سنوات.

في الكويت دائماً ما يكون المال بديلاً سهلاً لأي تحدٍّ، فبدلاً من العمل على حل الأزمة الإسكانية نجد الحلول تتدفق لرفع الدعم في القرض الإسكاني، وبدلاً من معالجة التضخم والعمل على توفير بيئة المنافسة في السوق نجد الضغط ينحصر فقط في إقرار علاوة الأولاد أو يتنقل على شكل مطالبات نقابية كمطالب الحوافز ومكافأة النجاح أو غيرها من المطالبات الخاصة بالنقابات.

 اللافت أن موضوع «توزيع المال» بات يروق للحكومة كثيراً في الفترة الماضية، فرغم تصريحاتها المتشددة بخصوص مخاطر العجز بحلول 2017 نجدها توافق على رفع الدعم في القرض الإسكاني بواقع 30 ألف دينار، وتدخل في مفاوضات مع النواب لتخفيض زيادة الأولاد من 25 إلى 15 ديناراً، والجديد أن عدداً من الوزراء هذا الأسبوع تحدثوا بشكل مغاير عن حديثهم السابق بشأن مخاطر العجز، فسارعوا إلى تأكيد أن مدخول المواطن لن يمس، وأنه لا زيادة في أسعار الخدمات المدعومة وهذا حديث ينم عن تراجع لافت.

 فزيادة الأسعار على الخدمات المدعومة ستقابلها مطالب شعبية أكبر بتحسين هذه الخدمات، وبالتالي سينكشف عدم قدرة الحكومة على الإنجاز، وهنا سيتم اللجوء إلى إبر التخدير التي ترفع الحرج عن الحكومة مؤقتاً من خلال توزيع المال... فمثلاً قيمة الدعم في القرض الإسكاني لن تحل الأزمة لعدم وجود أراضٍ أصلاً، وبالتالي فالحل الوقتي هو رفع الدعم حتى لو لم ينعكس ذلك إيجاباً على تقليل الطلبات الإسكانية.

لكن إلى متى سيكون المال هو الحل الذي يسمح بتأجيل الأزمة مؤقتاً؟ وهل سيأتي يوم نجد أنفسنا أمام أزمة تركناها تكبر دون أن نتدخل جراحياً مكتفين بإبر التخدير المتكررة؟

فالمطلوب من الحكومة اليوم أن توفر نحو 20 ألف وظيفة سنوياً، وعليها بعد أقل من 16 عاماً أن توفر 74 ألف وظيفة كل سنة، وهو أمر شبه مستحيل في ظل استمرار الوضع الحالي المتعلق بتضخم الجهاز الإداري للدولة ومحدودية القطاع الخاص وبطء توفير المشاريع الصغيرة.

والطلبات الإسكانية التي تناهز اليوم 108 آلاف طلب سترتفع خلال 5 سنوات إلى 135 ألف طلب غير مستوفٍ، فضلاً عن أن الشباب دون 24 عاماً يشكلون 60 في المئة من إجمالي الشعب الكويتي، وهم عامل ضغط كبير على خدمات الدولة خلال الـ20 عاماً المقبلة، خصوصاً في ظل زيادة عدد المواليد.

لذلك فالحديث عن أرقام مرعبة في القطاعات الخدمية، وما يقابلها من نمو مطرد في الموازنة العامة التي نمت خلال 10 سنوات من نحو 5 مليارات دينار إلى 22 ملياراً، يوجب إعادة التفكير في نموذج المال للخروج من المشكلات إلى نموذج آخر قادر على إقناع الناس بخطورة الوضع الحالي، خصوصاً أن هناك تحديات كبيرة ليس أقلها أن الميزانية العامة للدولة في حال الاستمرار بالنهج الحالي ستبدأ في تسجيل العجز اعتباراً من عام 2020 بواقع 3.5 مليارات دينار في السنوات الأولى، على أن يبلغ العجز التراكمي لعام 2030 نحو 174 ملياراً، وعندئذ سنحتاج إلى سعر 213 دولاراً لبرميل النفط لتحقيق نقطة التعادل.

وللتعرف بنماذج الفشل التي تسعى الحكومة إلى تغطيتها بالمال يجب مراجعة نتائج خطة التنمية منذ 2009 إلى 2013، فمن بين 31 مؤشراً لقياس الأداء في خطة التنمية، وهي مؤشرات حكومية تعتمد على معايير تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، حققت الكويت تراجعاً في 21 مؤشراً، في حين تقدمت في 7 مؤشرات، وثبت أداؤها في ثلاثة، مما يعطي انطباعاً بسوء الأداء الحكومي وعدم توافقه مع أهداف الخطة، فضلاً عن ضعف أدوات الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي، وأن تراجعات مهمة شملت ترتيب الكويت في مؤشرات كفاءة سوق العمل وجودة التعليم وثقة الجمهور بالسياسيين والحرية الاقتصادية وسهولة الأعمال.

لم يحدث أن دولة من دول العالم وضعت استراتيجية سيادية كبرى تستهدف النمو ثم وجدت نفسها متراجعة، إلا الكويت، ما يعبر عن درجة عالية من سوء الإدارة، فضلاً عن الاستخفاف بمشروع الدولة الذي طُرِح للناس، بل وخوض العديد من المعارك السياسية للدفاع عنه، لنكتشف لاحقاً أن ما كانت الحكومة تقاتل من أجله غير صحيح ويحتاج إلى تعديل جذري في المنهجية.

المؤسف أن تُستخدَم الفوائض المالية المتراكمة منذ أكثر من 14 عاماً كأداة تخدير، رغم أنها يمكن أن تكون أكبر عامل لحل المشكلات التي نواجهها منذ سنوات، لا سيما في السكن والخدمات العامة والبنية التحتية إذا ما توافرت الإدارة القادرة والراغبة في حلها.