لا شك في أن الرسامة فريدا كاهلو أصبحت أسطورة وعاشت نجاحاً غير عادي في فنها على رغم تعاستها وجرحها الكبير. هي أسطورة في مختلف المجالات التي عرفت بها، سواء في حياتها وسرياليتها وآلامها وشللها أو لوحاتها حيث اشتهرت برسم نفسها فقلدتها كثيرات، وصولاً إلى غرامياتها.
أحبت فريدا رسام الجدرايات دييغو ريفييرا وعاشا قصة حب صيفية ما زال وقعها حاضراً حتى الآن في الكتب. ولكن قدر الحب كان تراجيدياً، خصوصاً بسبب جسد فريدا، التي حملت وأجهضت بسبب آلامها، ناهيك بأن دييغو خانها فيما أقامت هي علاقة مع زعيم المناشفة الروسي ليون تروتسكي. فريدا باتت أسطورة ومنبع الحكايات وصوّرت عن حياتها الأفلام السينمائية واقتبست مسرحيات. حتى إنها تحولت رمزاً شعبياً فبتنا نجد صورها على الكؤوس والمناشف والتحف السياحية.ثورة وحماسةيظهر معرض {تواطؤ فريدا ودييغو} في {فيلا عودة} في بيروت جانباً أسطورياً جديداً من حياة الرسامة العالمية، ليس الإبداع بل الثورة والحماسة للأحداث، فقد شارك كل من فريدا ودييغو في التظاهرات والتحركات اليسارية، وهي كانت تقول {إن الثورة هي انسجام الشكل واللون، وكله يتحرك بإمرة قانون واحد {الحياة، لا شيء منفصل عن شيء، لا أحد يحارب من أجل نفسه، الكل هو الكل وواحد، الحزن، الألم، المتعة، الموت}.لا يكتفي المعرض بتقديم هذه اليوميات بل يعرض أيضاً وثائق خاصة لكل من الزوجين الفنانين، لا سيما {يوميات فريدا} مزودة برسوم وتلوينات توحي بأنها تحمل رائحة اليد التي خطّتها ووهج الحميميات في لحظات الاختلاء بالذات بعيداً من العين الفضولية.في المعرض أيضاً صور وأغراض شخصية للفنانة، وفوتوغرافيات لها في مواقف خاصة. ومن المعروضات صورة لدييغو وهو يوقع الوثيقة الثانية لزواجه. وثمة صور لتروتسكي، الزعيم الروسي الذي هرب عام 1937 من بطش ستالين وذهب إلى المكسيك، فكان منزل فريدا في البيت الأزرق في ضاحية كويوكان في مكسكيو مكانا آمناً لإقامته.يومياتكانت فريدا كاهلو ترسم بشغف، وأمضت سنوات طويلة من عمرها وهي ملتزمة سريراً متنقلاً. كانت غالبية أعمالها بورتريهات لوجهها، لأنّها كانت تعتبر الرسم أداة للتعبير عن واقعها الصعب وقدرها التعيس. حتى إنها رأت نفسها مثل نفرتيتي حين تكتب مع لوحة للملكة المصرية {زوجان قريبان لبلد/ النقطة والسطر}. وتردفها في يوم آخر بلوحة لنيفر، إله الجنون يأخذ الكثير من ملامح فريدا المجنونة بحب الحياة الهاربة.فريدا كما يظهر من يومياتها، ترسم لتحارب {الملل والألم}. لم تتلقَ أي تدريب فني رسمي، تأثرت بمن أرادت من الفنانين والأساليب والمدارس الفنية والثقافات، وشكّلت أسلوباً خاصاً فريداً. يومياتها عبارة عن تسعة وعشرين عاماً من الألم المتواصل. فكرت بالانتحار مرات عدة، ولكن حبّها للرسم وحبّها للثورة وعشقها لدييغو هو ما ساعدها على البقاء على قيد الحياة 47 عاماً. تقول في يومياتها: {تضمن الكتاب عبر صفحاته الـ 216 ترجمة لليوميات مع التعليقات والشروح والوصف لها. كذلك ضم مع مئات الرسوم المرافقة للنصوص بخط يدها الشروح المرافقة. وثمة رسائل عدة في اليوميات الموجهة إلى دييغو ريفييرا، تقول فيه {دييغو/ مرآة الليل/ عيناك سيوف خضراء داخل لحمي/ موجات بين أيدينا/ أنت كلك موجود في المكان مليء بالأصوات، في الظل والضوء.}...ورغم انفصالها عنه، ظلَّت فريدا تحبّ دييغو، وتقول ذلك بكلّ وضوح في رسالة إليه بتاريخ 23 يوليو 1935: {أرى نفسي اليوم أنني ما توقّفت عن حبّك وأنّني أحبّك أكثر من جلدي، وحتى لو أنك لا تحبّني بالقدر نفسه، فإنّك على الأقلّ تحبّني قليلا، أليس كذلك؟ وإذا لا، فأنا أحتفظ دائماً بالأمل للوصول إلى ذلك، وهذا يكفيني. أحبّني قليلا وأنا أعشقك}.يتّفق النقاد في تصنيف تجربة فريدا ضمن المدرسة السريالية، بينما هي تصرح في يومياتها الخاصة: «لم أرسم أبداً أحلاماً، بل أرسم واقعي الحقيقيّ فقط».ماتت فريدا عام 1954 بعدما عاشت حياة صاخبة وتراجيدية، وتركت للبشرية ما يقارب 150 لوحة هي من أجمل اللوحات التشكيلة، قال بيكاسو عن أعمالها مخاطباً زوجها: «دييغو، لا أنا ولا أنت بمقدورنا تجسيد البورتريه كما تفعل فريدا». أمّا دييغو نفسه، فقد وصف نتاجها الفنّي: «بالمحبوب والرائع والمبتسم والقاسي كما هي الحياة». يقول الروائي المكسيكي كارلوس فوينتس في تقديمه لليوميات: «طلب منا سقراط- المشهور بقبحه- أن نغلق أعيننا لغاية رؤية الجمال الداخلي الحقيقي. وتذهب كاهلو إلى ما هو أبعد من المطالبة السقراطية، تطالبنا بإغلاق عيوننا وفتحها على الفور لنرى صيغة جديدة للعالم».ولدت فريدا كاهلو في يوليو من عام 1907 (ضاحية كويوكان) في العاصمة المكسيكية من ألمانيّ مهاجر، وأمّ مكسيكية ذات أصول هندية معروفة ببشرتها السمراء .في السادسة من عمرها، أصيبت بمرض شلل الأطفال وأدّى ذلك إلى شلل إحدى ساقيها، وجعل مشيتها غير متزنة. وترك هذا الأمر تأثيراً سيّئاً في أعماق نفسيتها مدى حياتها، فلم تستطع أن تعيش حياة طبيعية، ولذلك كانت تلبس جوارب ثخينة حتى في أيام الصيف لتخفي عيوب ساقها.بدأت بالرسم وهي ابنة 12 عاماً، وفي عام 1925 تعرّضت لحادث باص، أصيب نتيجته حوضها بشكل كبير، مما جعلها متمدّدة في السرير على ظهرها لا تستطيع الحركة لمدّة عام كامل، والأمر نفسه حرمها من إنجاب الأولاد طوال حياتها حتى بعد زواجها في عام 1929 من رسام الجداريات الشهير دييغو ريفييرا الذي كان له دور مهمّ في توجّهها نحو الرسم.
توابل
عودة إلى فريدا كاهلو... مكافحة الألم بالألوان
06-05-2014