إعادة اختراع العلاقات بين الكوريتين

نشر في 20-12-2013
آخر تحديث 20-12-2013 | 00:07
 بروجيكت سنديكيت في الثاني عشر من فبراير 2013، نفذت كوريا الشمالية ثالث تجاربها النووية في الفترة التي سبقت تنصيب الإدارة الجديدة- بقيادتي- في الجنوب، وحول ذلك الوقت، تبنت لجنة الانتقال الرئاسي "عملية بناء الثقة على شبه الجزيرة الكورية" كسياسة أساسية للإدارة الجديدة، بهدف خلق ديناميكية جديدة في العلاقات بين الكوريتين، ورغم أن التجربة النووية في الشمال خلقت ضغوطاً لإعادة النظر في عملية بناء الثقة، فقد أوضحت أنني سألتزم بالمسار، والواقع أن عملية بناء الثقة كان المقصود منها على وجه التحديد كسر الحلقة المفرغة من الاستفزاز والمكافأة.

وقد صيغت عملية بناء الثقة للتغلب على القيود المفروضة على سياسات الاسترضاء والسياسات المتشددة: وفي حين كانت سياسات الاسترضاء تعتمد كلياً على حسن نوايا كوريا الشمالية الشحيحة، فإن السياسات المتشددة كانت تعني ضمنياً ممارسة ضغوط مستمرة فحسب. إن عملية بناء الثقة، استناداً إلى قوة الردع الهائلة، تهدف إلى بناء سلام دائم على شبه الجزيرة الكورية من خلال جعل الشمال يدفع ثمناً باهظاً نظير أعماله العدوانية، وفي الوقت نفسه ضمان فرص التغيير والمساعدة إذا كان الشمال راغباً في التحول إلى عضو مسؤول في المجتمع الدولي.

منذ تولت إدارتنا السلطة، صعَّدَت كوريا الشمالية تهديداتها العسكرية وخطبها العنترية ضد الجنوب، ففي شهر أبريل 2013، اتخذ الشمال الخطوة المتطرفة الأحادية الجانب المتمثلة بمنع عمال كوريا الجنوبية من دخول "مجمع غايسونغ الصناعي"، وهو رمز التبادل والتعاون بين الكوريتين، وسحب جميع موظفيها.

وفي أعقاب إغلاق "منشأة غايسونغ"، اقترح البعض عرض بعض الحوافز على الشمال من خلال الاتصالات عبر القنوات الخلفية لتحسين العلاقات بين الكوريتين، ولكن من منطلق إدراكي لحجم التأثيرات السلبية التي خلفتها مثل هذه الاتصالات مع الشمال في الماضي، فقد اخترت أن أطرح اقتراحاً شفافاً بالدخول في حوار.

وقد أكدت مراراً وتكراراً للشمال أن الثقة لا يمكن أن تبنى إلا من خلال التعاون في مشاريع صغيرة ولكنها ذات مغزى والالتزام بالوفاء بالوعود- ولفت الانتباه إلى السلوكيات الشائكة- على طول الطريق. كما شرحت أيضاً للمجتمع الدولي مصداقية وضرورة ترسيخ سياستنا في عملية بناء الثقة، لتأمين الدعم من العديد من البلدان.

وأخيراً أتت كوريا الشمالية إلى طاولة الحوار في منتصف يوليو، وبعد شهر وافقت على تطبيع عملية تشغيل "مجمع غايسونغ" بطريقة بناءة. وكتدبير لتعزيز المتابعة، تم إنشاء أمانة للإدارة المشتركة للمنشأة، وبدأ مسؤولون حكوميون من الكوريتين الانخراط في اجتماعات يومية. وكانت هذه خطوة صغيرة ولكنها مهمة إلى الأمام، عندما نعلم أن الحوار بين الكوريتين كان شبه معدوم على مدى السنوات الخمس الماضية، وأن التوترات التي أججها الشمال بلغت ذروتها في الأيام الأولى من عمر إدارتي.

ولكن الطريق لا يزال طويلاً للوصول إلى التطبيع الكامل لـ"منشأة غايسونغ"، ناهيك عن العلاقات بين الكوريتين في العموم، فالشمال لا يزال عازفاً عن عقد حوار متابعة لمناقشة مرور العمال، والاتصالات، والتخليص الجمركي، وكل هذا يشكل ضرورة أساسية.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد ألغت كوريا الشمالية من جانب واحد اتفاقية لم شمل الأسر المشتتة، التي أبرمت بشق الأنفس، فكسرت بذلك قلوب أولئك الذين انتظروا طويلاً وبفارغ الصبر تنفيذ هذه الاتفاقية، ثم استأنفت كوريا الشمالية افتراءاتها وتهديداتها لنا. والواقع أن مثل هذا السلوك محبط للغاية، ويذكرنا بمدى صعوبة بناء الثقة مع الشمال،

على مدى الأشهر العشرة الماضية، سعينا إلى الالتزام بالمعايير الدولية في تنفيذ سياستنا في التعامل مع كوريا الشمالية، في حين أخذنا بعين الاعتبار توقعات جماهير الناس. وسنلتزم بهذه المبادئ الأساسية ونحدد أولوياتنا التالية في سياستنا في التعامل مع كوريا الشمالية في المستقبل.

فبادئ ذي بدء، سنحتفظ بقوة ردع قوية، لأن الأمن المحكم يشكل الأساس للسلام الحقيقي، وانطلاقاً من ذلك، سنسعى جاهدين إلى صياغة سلام دائم من خلال الحوار والتبادل والتعاون، ويتعين على الكوريتين أن تعملا على ترسيخ الثقة المتبادلة من خلال مناقشة الأمور بحكمة واحترام متبادل، والوفاء بالوعود حول ما تم الاتفاق عليه بالفعل. وآنئذ فقط يصبح بوسعنا تمهيد الطريق إلى السلام والوحدة وبالتالي تحسين نوعية الحياة لكل الكوريين وإسعادهم.

وستعمل سيول أيضاً على تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي في هذه العملية. من المؤكد أن اتحاد الكوريتين أمر يقرره الشعب الكوري، ولكن لا بد من تحقيق هذه الغاية في سياق من الإجماع بين البلدان المجاورة، وبالتالي ضمان استفادة كل الأطراف في المنطقة من الاتحاد.

ثانياً، سنسعى جاهدين إلى رفع مستوى عملية بناء الثقة على شبه الجزيرة الكورية، ونظراً للشكوك العميقة الجذور بين الكوريتين، فإن استعادة الثقة لن تكون بالمهمة السهلة، ورغم هذا فإننا سنواصل جهودنا الحثيثة لتحسين العملية وحث الشمال على تغيير مساره.

وستستمر المساعدات الإنسانية في الوصول إلى الشمال، وسنقوم أيضاً بابتكار تدابير متنوعة لتوسيع نطاق الحوار والتعاون بين الجنوب والشمال، مع مواصلة الجهود الرامية إلى تحقيق لم شمل الأسر المشتتة وحل مسألة أسرى الحرب والمختطفين الذين يستبقيهم الشمال.

سنعمل على زيادة شفافية سياستنا في التعامل مع كوريا الشمالية، بطبيعة الحال، ونظراً لطبيعة العلاقات بين الكوريتين فلن يكون بوسعنا الكشف بالكامل عن كل الأمور، ولكن تقديم معلومات دقيقة قدر الإمكان لعامة الناس يشكل الوسيلة الأفضل لضمان الدعم الشعبي الراسخ لهذه السياسات وتنفيذها الفعّال.

ثالثاً، ستسعى كوريا الجنوبية إلى نزع السلاح النووي في الشمال كوسيلة لتحقيق التقدم المشترك في شبه الجزيرة الكورية وشمال شرق آسيا، والواقع أنه من دون نزع السلاح النووي لدى كوريا الشمالية، فإن عملية بناء الثقة لن تكتسب أي زخم، ولن تتقدم العلاقات بين الكوريتين إلا عندما يتخلى الشمال عن برنامجه النووي وينضم إلى الجنوب في شراكة قائمة على الثقة المتبادلة.

وفي ضوء التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني الآن عبر مفاوضات جديرة بالثقة، فإن المجتمع الدولي يحول انتباهه نحو كوريا الشمالية، ويتعين على الشمال أن يغتنم هذه الفرصة، فإذا أظهر التزاماً راسخاً بنزع السلاح النووي واتخذ خطوات عملية نحو تحقيق هذه الغاية، فسنبادر إلى أخذ زمام المبادرة في تأمين دعم المجتمع الدولي للمساعدات الفعّالة في تنمية الشمال اقتصادياً، وسنسعى جاهدين إلى تحقيق التقدم على شبه الجزيرة بالتعاون مع جيراننا في شمال شرق آسيا.

وقد أظهرت كوريا الشمالية أخيراً اهتمامها بإقامة مناطق تنمية اقتصادية خاصة، لكن لن تجازف أي دولة، بما في ذلك كوريا الجنوبية، بالاستثمار في كوريا الشمالية إذا أصرت على تطوير برنامجها النووي، وإذا كان الشمال صادقاً في اهتمامه بمستقبل شعبه وأمته، فلابد أن يتخلى عن هدفه المزدوج غير الواقعي والمتمثل بالتمسك ببرنامجه النووي وملاحقة التنمية الاقتصادية في الوقت نفسه، بل يتعين على الشمال أن يصبح شريكاً عالمياً من خلال الالتزام بالمعايير الدولية وتحسين علاقاته بجيرانه.

يشكل إدماج واستيعاب كوريا الشمالية عنصراً أساسياً في سياستنا الخارجية في العموم. ومن هنا فقد اقترحت المبادرة الأورو آسيوية، التي تقوم على ربط الشبكات اللوجستية المقسمة في القارة وإزالة العقبات التي تعوق التجارة، وبالتالي خلق كيان واحد قابل للحياة، بيد أن المبادرة الأورو آسيوية، التي ترتبط بخطتي الخاصة بمبادرة السلام والتعاون في شمال شرق آسيا، من غير الممكن أن تنجح إلا إذا فككت شبه الجزيرة أولاً جدار عدم الثقة الذي يقسمها، ذلك أن كوريا تُعَد البوابة بين أوراسيا ومنطقة المحيط الهادئ.

إن مشروع بناء "متنزه للسلام العالمي" في المنطقة المنزوعة السلاح التي تقسم شبه الجزيرة الكورية من الممكن أن يشكل نقطة انطلاق طيبة، ومن هنا، يتعين على البلدان المجاورة، جنباً إلى جنب مع الكوريتين، أن تعمل على بناء الثقة وتعزيز التعاون في أنحاء المنطقة المختلفة.

وبهذه الطريقة فإن شبه الجزيرة الكورية تصبح قادرة على التخلص من دورها القديم كحجر عثرة والتحول بدلاً من ذلك إلى نقطة انطلاق للسلام في أوراسيا، وشمال شرق آسيا، وخارجهما. وستتعاون كوريا الجنوبية بقوة وثبات مع المجتمع الدولي في الجهود الرامية إلى إقناع كوريا الشمالية باختيار الطريق الصحيح والسير معنا في هذه الرحلة.

* بارك غيون هاي

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top