«الفضاء 1999»!
لو أتيح لي كتابة فيلم عن أحداث عام 2040 فستكون مغايرة تماماً ولا دخل للمخلوقات الفضائية في أي منها، رغم أنني أتصور الوضع أكثر دموية وفتكاً مما سيقوم به الغزاة من الكواكب الأخرى، فأهل الأرض سيتكفلون بدمارها بأشنع الطرق، وأتفه الأسباب!
في نهاية السبعينيات أو بداية الثمانينيات- لا أتذكر- كان تلفزيون الكويت يعرض مسلسلاً أجنبياً اسمه "الفضاء 1999"، يتحدث المسلسل عن غزو الكائنات الفضائية للأرض عام 1999، ومقاومة بني البشر لهم ومن ثم الانتصار عليهم، ليعود الغزاة إلى "مجرتهم" يجرون أذيال الخيبة والهزيمة!مرت الأعوام بنا، وأتى عام 1999 ورحل دون أن يحدث فيه أي من التخاريف التي تنبأ بها ذلك المسلسل، بل إننا اليوم وبعد مرور 15 عاماً لم نر كائناً فضائياً واحدا "يوطوط" صوب غلافنا الجوي، والفكرة بمجملها ليس لها أساس من الواقع يسندها، لكنها تعجب المشاهدين وتجلب الأموال باستمرار!
لذلك، يستمر منتجو هوليوود في إنتاج أفلام تقوم على ذات الفكرة إلى اليوم لأنها- رغم قدمها وتكرارها- لا تزال تحقق الإيرادات الكبيرة، والتقنيات الحديثة كفيلة بجعلها أكثر إثارة وتشويقاً، وكما كانوا يتنبؤون بنهاية السبعينيات بأنها ستحدث في عام 1999، يتنبؤون هذه الأيام بأنها ستحدث في عام 2040 أو 2050! الجميل في هذه الأفلام أن النهاية دائماً سعيدة ولمصلحة سكان الأرض رغم تواضع إمكاناتهم، لكنهم ينتصرون لأنهم "على قلب واحد" ومتحدون في وجه الغزاة!شخصياً، لم أستطع أن أهضم هذه الفكرة، ويعرف كل أصدقائي المقربين أن هذه النوعية من الأفلام لا تستهويني ولا يمكن لي أن أقبل دعوة للسينما لحضورها، لذلك توقفوا عن سؤالي للذهاب إليها، يقولون إنني أفتقد الخيال، وإنني أصر على وجود المنطق حتى في الأفلام الخيالية، وهو أمر يفسد لذة المتابعة ومعايشة أحداث أي فيلم! أظن أن لديهم كل الحق في ذلك، فتصوري عن كوكب الأرض وما سيحدث فيه بعيد كل البعد عمّا تطرحه هذه الأفلام، ولو أتيح لي كتابة فيلم عن أحداث عام 2040 فستكون مغايرة تماماً ولا دخل للمخلوقات الفضائية في أي منها، رغم أنني أتصور الوضع أكثر دموية وفتكاً مما سيقوم به الغزاة من الكواكب الأخرى، فأهل الأرض سيتكفلون بدمارها بأشنع الطرق، وأتفه الأسباب!فقصة الفيلم ستكون عن عودة الحروب المقدسة في عام 2040، والبداية ستكون من المنطقة العربية، حيث سيسيطر الإسلاميون رويداً رويداً على أنظمة الحكم فيها! في بداية الأمر سيصل المعتدلون إلى دفة الحكم، ثم سيؤول الأمر تدريجياً إلى المتشددين من طراز "داعش" الذين يسند حكمهم انطباع عام بأنهم يمثلون الإسلام الحقيقي الذي قوامه الجهاد واستعادة أمجاد الإسلام، ليبدأ صدامهم الحتمي مع العالم من حولهم، مما ينتج عنه في الجانب الآخر تنامٍ لشعبية المسيحيين المتشددين كردة فعل طبيعية ومنطقية، وبالتالي الدعوة للحرب المقدسة من جديد، التي يرى فيها كلا الطرفين- الإسلامي والمسيحي- أنهما يخوضان حرب نهاية العالم التي ينتصر فيها المؤمنون على الكفار، والكفار هنا هم الطرف الآخر بطبيعة الحال!ولأن الجمهور يحب النهايات السعيدة سأحاول قدر المستطاع جعل كل البالغين على هذه الأرض يموتون في هذه الحرب الدموية عدا عدد من الأطفال سيكونون مختبئين في بعض الملاجئ، يكبرون بعد ذلك وهم يحسبون أنهم إخوة مع أنهم في واقع الأمر يختلفون في ألوانهم وأشكالهم وأديان آبائهم!هذه النهاية ستجعل المجال مفتوحاً لعمل أجزاء أخرى للفيلم، حيث تظهر في الجزء الثاني بعد ذلك معتقدات وأديان جديدة مختلفة عن الحالية، يقوم أتباعها من الأطفال الذين كبروا بالقضاء على بعضهم بعضا بعد أن كانوا متحابين في صغرهم، انتصاراً لأديانهم ومعتقداتهم الجديدة، التي تستحق الموت لأجلها وفي سبيلها!فيلم كهذا سيكون أكثر صدقاً من أفلام المخلوقات الفضائية الدموية والمتوحشة، ففي الواقع، لدى بعض بني البشر، من الشرور، ما يكفي ويزيد، لإفناء هذا الكوكب عن بكرة أبيه وأمه أيضاً، لو ترك الأمر لهم اليوم وليس في عام 2040!