«مفاتيح» هو البرنامج الحواري الجديد للمذيع اللامع مفيد فوزي، وهو في رأيي وفي رأي الآخرين من أهم مقدمي البرامج الحوارية وأكثرها متعة وجاذبية للمشاهدة الجماهيرية، ولعل أهم ما يميزها هو شخصية مفيد فوزي ذاتها، فهي الدينامو الحقيقي لنجاحها واستمرارها، فشخصيته كانت ومازالت تتمتع بهذه الطاقة الشابة المليئة بالنشاط وبتدفق الحيوية المشتعلة بالشغف ولذة التجربة المبهورة والطازجة كما الولادة الأولى حتى وإن كانت تأتي بعد الألف، فهي مازالت تتأجج بفرح المخاض الأول، وكأن صاحبها يتلذذ بفرحة ميلادها الأول، وأظن هذا هو سر ومفتاح نجاح واستمرار مفيد فوزي، فهو مازال يمارس حواراته ببهجة طفل شغوف فرح بلعبته، تبهجه وتثيره أسئلته التي يطرحها على ضيفه الذي يبهته بشغف تأججه وحب استطلاعه، مما ينقل عدواها إلى المشاهدين عبر شاشات الفضائيات العربية، فتبخ عليهم نشاط حُسن السماع والصحوة لهذه الأسئلة الذكية والإنسانية الدافئة، والنابشة في أدب ولطف وحنان أغوار شخصية من تحاوره من دون أن تستفزه أو تغضبه أو تغتصب كرامته.

Ad

مفيد محاور يأخذ ما يريده من دون إلحاق الضرر بصاحبه، بل بالعكس هو يمنحه فرصة ليكشف عن إنسانيته التي لا يراها الغير، وبذات الوقت يلتقط ويصطاد كل ما يصدر من جملها وتعبيراتها العفوية الصادقة والخاصة، ليكبرها باندهاش فرحه بالتقاط لقيا لم يع بها حتى صاحبها، ليعيد تصديرها إليه، فنجاحه مستمد من تركيزه الشديد على مادته، أكثر من تركيزه على نفسه، وهذا هو سر التركيبة.

وكثيرة هي الشخصيات التي حاورها وكشف عن مناطق مجهولة فيها لا يدركها من لا يعرفها عن قرب، ولعل من أجمل الحوارات التي أجراها مع شاعر العامية المفرط في جمال إنسانيته وتفرد مفردات أدواته الشعرية، الأبنودي، وهو شاعر تجاوز عصره، ومع هذا فهو قمة في التواضع والبساطة رغم أنه أيقونة الشعر العامي، إلا أنه كما يقول: «شاعر مش بتاع الوقار ورسم الذات، راجل مفلوت في أرض الله، آخذ من أرض الله أعطي عباد الله، بعطي أصدقائي روحي كاملة».

الأبنودي شاعر كبير عالمي يعيش بيننا وينساب في شعره مثل الطبيعة التي احتوته، فهو ابنها ولها كتب أشعاره ومواويله وأغنياته، التقط مفرداته من ترعها وترابها وشجرها ودود طينها، «اتعاص بها كما اتعاصت به» وهي مفردته التي أمرني بممارستها حينما أردت أن أقطع ثمرة المانجا بالشوكة والسكين، فما كان منه الا ان شخط بي وقال: المانجا ما تتاكلش كده، المانجا نتعاص بها حين نأكلها». أي نُعجن بها وتنعجن بنا، وهكذا هو الأبنودي ابن الطبيعة وخليفتها في عظمتها المنسابة في بساطة اتساقها وتناغمها مع كل ما فيها، وبذات الوقت مع انصهاره في أفراح وأوجاع بشرها.

ومن الشخصيات النسائية الجميلة التي حاورها، المستشارة والقاضية الأولى في مصر تهاني الجبالي، التي كشف الحوار عن طبقات هذه الشخصية الفذة في كل تكويناتها وقدراتها الإنسانية والمهنية ونباهة تفوقها القيادي في ذكاء أحكامها القانونية في ظل كل ممارساتها.

تهاني الجبالي هي أول قاضية في الوطن العربي، وقدوة ترفع من شأن المرأة العربية.

ومن المفاتيح الرائعة مقابلة الدكتور سعد الدين الهلالي، هذا الشيخ الأزهري المنفتح في فهم الشريعة وأحكامها وقوانينها وتيسير أمورها، هو من علماء الشيوخ الذين نحنُ في أمس الحاجة لفتاويهم وآرائهم المستوعبة لهذا العصر وأوضاعه ومجرياته. مفيد استطاع الغوص في أعماقه والتقط تفاصيل فكره وعمق إنسانيته ووعيه.

وعلى كل معرفتي بالناقد د. صلاح فضل اكتشفت أنني لا أعرفه، وقدرت تماما قيمة برنامج مفيد فوزي وقدرته في إعادة تقييم ما نظن أننا نعرفهم، ونكتشف كم كان فهمنا بعيدا عن الواقع. حلقة الناقد صلاح فضل أعادت تقديمه بعيدا عن صورة المحكم في شاعر المليون، وفي كل ما رأيته من مقابلات على الطبيعة أو في شاشات التلفزيون. برنامج مفاتيح كشف عن أعماقه وإنسانيته وشاعرية ثقافته وأحكامه النقدية التي لم أسمعها بالسابق منه.

وأيضا الشخصية المثيرة للجدل القاضي والمحامي والنيابي ورئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، الذي اشتهر بظهوره على شاشات الفضائيات مع تأبطه لفيديو يدين غريمه، لدرجة أنه قيل عنه أن بحوزته «سديياية لكل مواطن» من باب التشنيع، مقابلته كشفت عن الإنسان الجميل المختفي فيه.