«حياة أو موت» برؤية معاصرة

نشر في 01-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 01-07-2014 | 00:01
No Image Caption
فيلم {حياة أو موت} أحد أيقونات السينما المصرية، يحكي عن رجل يصاب بأزمة قلبية، فيرسل ابنته للحصول على الدواء، ولكن يكتشف الصيدلي تسببه بالخطأ في تركيبة دواء قاتل، وفي غياب أية وسائل للاتصال التكنولوجي الحديث يلجأ الصيدلي إلى الشرطة المصرية والتي كانت آنذاك تتمسك بشعار {الشرطة في خدمة الشعب}،
ومن ثم تستنفر حكمدارية القاهرة بقواها في البحث لإنقاذ الرجل قبل تناول الدواء القاتل.
تخيلوا المشهد اليوم، بما تتضمنه حياتنا من وسائل تكنولوجيا واتصال متطورة.
تتصفح طفلة صغيرة هاتفها الذكي وهي تسير في الشارع، فيباغتها {هاشتاغ} تحذيري مسبوق بعلامة الشباك الإلكترونية الشهيرة يحمل اسم والدها، لتتلقى في اللحظة ذاتها إشعاراً بوصول رسالة (إنبوكس) من أحد أصدقائها الافتراضيين على موقع فيسبوك، تحمل بياناً على الصفحة الرسمية لوزارة الصحة المصرية، يفيد بأنها تحمل عقاراً قاتلاً لوالدها أخطأ أحد الأطباء في وصفه وتركيبه.

الأم التي لجأت غاضبة إلى منزل أهلها تلمح «الهاشتاغ» وهي تتصفح هاتفها الذكي أيضاً، فتركض إلى زوجها لإنقاذه، ما سيعطي معنى أكبر للقبلة التي انتهى بها الفيلم بين البطلين.

وفي مشهد هادئ وبينما يتابع أحد جيران أحمد إبراهيم الأخبار عبر جهازه اللوحي يلفت نظره التفاعل الواسع (share) لعبارة #الدواء_فيه_سم_قاتل، فيسارع إلى إبراهيم ويحذره من الدواء الذي تحمله ابنته، ويطلعه على تفاصيل الخبر الذي تناقلته مواقع إخبارية، وأعقبتها حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد إهمال وفساد مؤسسات الدولة عموماً والطبية منها خصوصاً، وهي أحداث تلائم إيقاعنا في العام 2014 ولكن عالجها المخرج كمال الشيخ قبل ستة عقود كاملة بشكل يناسب القاهرة في الخمسينيات.  

أنتج فيلم {حياة أو موت} في سبتمبر 1954 واحتفى بالشرطة المصرية لحرصها على حياة إنسان. أما إن أنتج في زماننا فستقابله عاصفة من الانتقادات الحادة على مجمل مواقع الشبكة العنكبوتية توجه جميعها سهام التخوين إلى المخرج، وتتهمه وأبطاله بتلميع الداخلية.

ينقل الفيلم الذي أنتجته شركة لوتس فيلم، لصاحبتها آسيا داغر، صورة حية من قاهرة الخمسينيات، يبدأ بموعظة حول الزمن والحياة، كما كثير من أفلام تلك الأيام، يلقيها رجل ذو صوت رخيم، بينما {خطَّار} الساعة يتصدر المشهد بحركته الآلية ليهيأ الجمهور لأجواء التوتر المقبلة، ثم تظهر الأسماء مكتوبة بخط نسخ بديع، موضحة أن القصة والإخراج لكمال الشيخ والسيناريو لعلي الزرقاني والمخرج نفسه، في حين كان الحوار الذكي من نصيب الزرقاني.

يواصل الرجل الحديث عن الحياة والزمن والمجهول في مدينة ضخمة مثل القاهرة، يسكنها مليونان ونصف المليون إنسان كما يؤكد صاحبنا، بينما الكاميرا تنقل لنا قطعة حية من القاهرة ونيلها وشوارعها وازدحامها المتزايد بمناسبة قدوم العيد (ازدحام يتشابه مع القاهرة في الساعات الأولى من صباح يوم عطلة رسمية).

«الدواء فيه سم قاتل} تلك العبارة التحذيرية، ورغم ما التصق بها من سخرية، فإنها ما زالت تترسخ في وجدان المصريين بأجيالهم المتعاقبة وتجد صدى ملموساً لها من زمن إلى زمن، وهو ما يرجع إلى حبكة الفيلم وإيقاعه المشوق المبني على فكرة بسيطة.

شجرة تعاطف

بنباهة لافتة يزرع كمال الشيخ في صدورنا شجرة تعاطف ضخمة مع بطل الفيلم عماد حمدي فور ظهوره، الذي يتزامن مع اختفاء صوت الرجل المعلق، لنتابع وقائع حية في لقطات سريعة نعرف منها أن {عماد} بلا عمل وبلا مال (ربما لو أمتلك حساباً على أحد مواقع التوظيف الإلكتروني راهناً لتبدلت أحداث الفيلم)، غير قادر على صرف مكافأة نهاية خدمته نظراً إلى الروتين (الجانب الوحيد المشترك بين القاهرة في الخمسينيات والألفية الجديدة، وربما لعقود تالية، ومهما تطورت آليات مؤسسات الدولة والتشدق بحرصها على مواكبة العالم من حولنا).

حالة بطلنا المزرية، خصوصاً مع قدوم العيد اضطرته إلى أن يبيع ساعته كي يشتري لابنته فستاناً جديداً (وهي أيضاً مفارقة تكشف الهوة الشاسعة بين زمنين، فالساعة اليوم في حال توافرها وإمكان بيعها تكفي لشراء أزرار للفستان فقط)، فهل كان كمال الشيخ في ظل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا سيلجأ أيضاً إلى مواقع التواصل لنشر حالة إبراهيم الاجتماعية لأجل جمع بعض التبرعات التي من شأنها إنقاذه أو إيجاد فرصة عمل تضمن له حياة كريمة؟  

يوظف المخرج عدداً من التفاصيل الصغيرة الذكية في المشاهد المختلفة، مثل خروف العيد الذي نسمع صوته فقط في أول الفيلم ولا نراه إلا حين تعود مديحة إلى البيت مهرولة لإنقاذ زوجها في نهاية الفيلم، أو ثمن تذكرة القطار بعملة انقرضت بالطبع. كذلك تعاون الناس مع الطفلة من دون التحرش بها، خصوصاً في ازدحام ميدان العتبة، أو ما ترتديه النساء العاديات في الشوارع حيث ملابس تكشف عن أكتاف عارية ومن دون إثارة يتسببن بها، فيما لا نلمح نساء منتقبات أو محجبات.

المؤكد أن قطع البرنامج الموسيقي لإذاعة بيان حكمدار القاهرة، كان سيحظى بسجال على موائد برامج الحوارات التي تبحث دوماً عن مادة تملأ بها ساعات إرسالها الطويلة في حالة أقرب إلى ضجيج بلا طحن.

back to top