خياران في الشأن الإيراني

نشر في 09-12-2013
آخر تحديث 09-12-2013 | 00:01
لا يسمح الاتفاق مع إيران والمفاوضات المتواصلة طوال الأشهر الستة المقبلة للولايات المتحدة بمهاجمة شريكها في هذه المفاوضات.
 واشنطن بوست أصاب منتقدو الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي في معظم ما طرحوه، إلا أنهم أخطؤوا في المسائل الأكثر أهمية، فقد أدركوا عيوب هذا الاتفاق الكثيرة والواضحة وعبثيته المحتملة، فما زالت عناصر أساسية كثيرة في بنية إيران النووية قائمة، وتشكّل تنازلات الولايات المتحدة التي تهدف إلى دعم "معتدلي" النظام الإيراني نُسخة أخرى من الاعتقاد المتعجرف المميت الذي يعتبر أن السياسة الأميركية قادرة على التلاعب بمجتمعات أخرى.

وينطبق هذا أيضاً على أمل أن يؤدي تخفيف العقوبات الاقتصادية إلى تشكيل قاعدة انتخابية إيرانية تطالب بالتراجع في الشأن النووي مقابل رفع المزيد من العقوبات الاقتصادية، لكن النقاد أخطؤوا في الاعتقاد أن من الممكن لأي اتفاق التحكم في طموحات إيران النووية، وما اعتبره هؤلاء النقاد العواقب الثلاث الأسوأ لهذا الاتفاق يشكّل في الواقع فوائد.

لا يسمح الاتفاق مع إيران والمفاوضات المتواصلة طوال الأشهر الستة المقبلة للولايات المتحدة بمهاجمة شريكها في هذه المفاوضات، إذاً، يحتوي هذا الاتفاق إسرائيل، التي تفتقر إلى القدرة العسكرية الضرورية لتضمن نجاحاً يُعادل مخاطر مهاجمة إيران، وهكذا لا يبقى أي بديل لسياسة احتواء دولة إيرانية نووية.

لا شك أن ادعاءات إيران أن غايات برنامجها النووي ترتبط بأهداف طبية وتوليد الطاقة سخيفة ومثيرة للضحك، وينطبق الأمر عينه على مفهوم أن المفاوضات قد تساهم في تمهيد الطريق أمام احتواء دولة إيرانية تملك أسلحة نووية أو تتمتع بالقدرة على إنتاجها بسرعة.

ينبغي لمن يشعرون بالحيرة الاطلاع على كتاب نُشر أخيراً لكينيث بولاك من معهد بروكينغز بعنوان Unthinkable: Iran, the Bomb, and American Strategy (المستحيل: إيران، القنبلة، والاستراتيجية الأميركية). فبعد أن درس بولاك حججه بتأنٍّ وتحلى بالموضوعية في طرحه الحجج التي يرفضها، توصل إلى الخلاصة التالية: "سيكون خوض حرب مع إيران لمحاولة منعها من تطوير ترسانة نووية مساراً أكثر سوءاً من محاولة احتواء إيران، حتى لو أصبحت دولة نووية". يبدو أن بعض مؤيدي الحرب يعانون "حسد الثلاثينيات"، وتوق إلى وضوح ثلاثينيات القرن الماضي حين أخفق الاسترضاء في سد جوع الحكام المستبدين إلى توسيع تخومهم، لكن تكرار كلمة "استرضاء!" لا يُعتبر حجة، فلا تصف هذه الكلمة بوضوح قراراً مدروساً يُظهر أن الحرب رد فعل متهوراً وغير فاعل تجاه إخفاق الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية في تغيير خيارات نظام بشأن سياسات يعتمدها داخل حدوده.

صحيح أن القوة الجوية الإسرائيلية مذهلة، إلا أنها تُعتبر محدودة عند توجيه ضربات لأهداف بعيدة، مخبأة، ومحصّنة؛ لذلك لن تحقق أيَّ أهداف غير تأخير برنامج إيران النووي بضع سنوات في أفضل الأحوال، كذلك قد يدفع هذا الهجوم إيران إلى طرد المفتشين الدوليين أو يسرّع انهيار العقوبات، ما يُعجّل بالتالي إعادة بناء طهران برنامجها النووي العسكري.

أما الهجوم الأميركي فقد يسبب ضرراً أكبر، إلا أنه لن يمنع إيران من إعادة بناء برنامجها النووي؛ لذلك، إذا كان هذا البرنامج مهمّاً كفاية لشن حرب، فهل يُعتبر مهمّاً كفاية لغزو أمة يفوق عدد سكانها سكان العراق بثلاثة أضعاف ومساحته بأربعة أضعاف؟

في ديسمبر عام 2011، ذكر ليون بانيتا، وزير الدفاع آنذاك، أن الولايات المتحدة، إذا لاحظت أن إيران "تمضي قدماً في تطويرها سلاحاً نوويّاً" أو قررت فعل ذلك "ستتخذ الخطوات الضرورية لوقفها". وفي شهر مارس عام 2012، أعلن باراك أوباما: "يجب أن يفهم قادة إيران أنني لا أملك سياسة احتواء، بل سياسة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي"، إذاً، ارتكز "خطه الأحمر" على استخدام هذه المواد الانشطارية كأسلحة.

لكن أوباما في التصريح الذي أدلى به في الثالث والعشرين من نوفمبر، احتفالاً بهذا الاتفاق الجديد، أشار إلى رغبته في "التأكد" من أن إيران "لا تستطيع تطوير أسلحة نووية". ويعني ذلك، إن صح، أن أوباما لم يرفض خطط الاحتواء فحسب، بل أيضاً السماح لإيران بالتوقف قبل خطوة صغيرة من تطوير أسلحة نووية، لكن بولاك كتب قبل بضعة أشهر في حجة تثبت حق إيران في تخصيب اليورانيوم:

"ما دامت إيران تتمتع بالقدرة على تخصيب اليورانيوم، والحق بالقيام ببعض نشاطات التخصيب، ومخزون من اليورانيوم المنخفض التخصيب... فستملك هذه الدولة قدرة على تطوير أسلحة نووية. قد تستغرق هذه العملية أشهراً كثيرة أو ربما سنة، إلا أن إيران ستحظى بالقدرة على تحويل المواد الانشطارية إلى سلاح نووي".

لن يمنع هذا الاتفاق إيران من تطوير أسلحة نووية، فهذا الهدف لن يتحقق إلا من خلال قرار إيران باتخاذ خطوة مماثلة، وهذا بالتأكيد مستبعد جدّاً، ولكن من الممكن أن يحول هذا الاتفاق دون نشوب حرب لمنع إيران من بناء أسلحة مماثلة. وإذا كان بولاك محقّاً، وهو مقنع بالتأكيد، فأمامنا إذاً خياران: الحرب أو الاحتواء، وعلى مَن يفضلون الحل الأول أن يوضحوا لمَ يعتبرون عواقبه أقل خطورة وأكثر توقعاً؛ مما أسفرت عنه حرب العراق الكارثية.

George F. Will جورج. ف ويل

back to top