بين جماعة نقاد السينما في مصر اتفاق غير مكتوب يقضي بعدم الاقتراب من الفيلم المصري الجديد أو التعرض له بالنقد والتحليل، في حال عدم عرضه في الصالات التجارية، ومبررهم النبيل في هذا أن الجمهور يمثل ضلعاً مهماً في صناعة السينما، بل يمكن القول، من دون مبالغة، إنه الطرف الأساس الذي لا يمكن تجاهله، وإلا انهارت الصناعة، سواء كونه المستهدف من رسالة الفيلم أو لأنه المصدر الرئيس للتمويل، الذي يحافظ على دوران عجلة الإنتاج، ومن ثم فلا ينبغي ـ ولا يصح ـ أن يكتب الناقد عن فيلم شاهده في عرض خاص أو مهرجان ما، وإلا كان أشبه بمن يصرخ في البرية!

Ad

الوضع المثالي، إذن، أن يؤجل الناقد الكتابة عن الفيلم إلى ما بعد طرحه في الصالات، ليتسنى للجمهور مشاهدته ثم قراءة المقالات التي تناولته، وبعدها يُصبح الجمهور طرفاً فاعلاً في الحوار غير المباشر مع الناقد، ويتسنى له الوقوف على نقاط الاتفاق أو الاختلاف في ما كتب!

بالطبع كان ثمة من ينقض الاتفاق غير المكتوب، عندما يبادر بالكتابة عن فيلم ما، للتنبيه، بشكل عاجل، إلى خطورة القضية التي يتبناها، أو لإحساسه بأنه يحقق، بالكتابة المبكرة، انفراداً لمطبوعته، لكن في معظم الأحيان كانت الغالبية تلتزم بالاتفاق الأقرب إلى {ميثاق الشرف} .

هكذا كان الحال قبل أن تتعرض جماعة نقاد السينما في مصر إلى اختراق صارخ، بواسطة نفر من الدخلاء الذين لا علاقة لهم بالنقد السينمائي وقواعده، كنتيجة طبيعية لاختلاط الحابل بالنابل في المجتمع المصري، ما أدى إلى اختلال كثير من المعايير النقدية، وأسفر عن تجاهل معظم الأعراف والثوابت، ووصل الخلل إلى ذروته باتجاه البعض إلى تقييم فيلم، والحكم عليه، عبر {البرومو{ الإعلاني، الذي يمهد  لحملته الدعائية، قبل طرحه على شاشات العرض،  وهو ما حدث بالضبط لفيلم {حلاوة روح}، بطولة هيفاء وهبي، وإخراج سامح عبد العزيز.

 على غير توقع، ومن دون أي شعور بتأنيب الضمير، أو الإحساس بأن ثمة جريمة تُرتكب في وضح النهار، اتخذ البعض من {البرومو{ ذريعة لشن هجوم ضار على الفيلم، وبطلته، وكتب أحدهم بالحرف الواحد: {المشاهد تؤكد أن العمل يتضمن قدراً من الإباحية}، وأضاف:}يتضمن الفيلم مشاهد تخاطب غرائز المراهقين من الصغار والكبار} في حين كتب آخر: {ظهرت البطلة كامرأة لعوب تستر ملابسها أقل كثيراً مما تفضح}، ثم استعار مقاطع من حوار {البرومو{ الدعائي ليبرهن أن الفيلم قبيح، رخيص، هابط، مبتذل، مليء بالإيحاءات ومثير الشهوات!

  واقعة غير مسبوقة في تاريخ السينما العالمية؛ فقد قسم جيروم ستولنيتز، مؤرخ الفلسفة الجمالية، أنواع النقد في كتابـــه {النقد الفني... دراسة جمالية وفلسفية} إلى خمسة هي: 1 -  النقد بواسطة القواعد (للناقد معيار يُعرف به الجودة الفنية ويقيسها)، 2 - النقد السياقي (يبحث في السياق التاريخي والاجتماعي والنفسي للتجربة) 3 - النقد الانطباعي (رفض الموضوعية وإعمال المعايير المزاجية والتأثر بالموضوعات المادية)، 4 - النقد القصدي (الاهتمام بمقصد الفنان وما يريده في قطعته الفنية)، 5 - النقد الباطن (التعامل مع العمل ذاته وطبيعته الباطنة مع تجنب كل ما يقع خارجه)، لكن أحداً من الأكاديميين والباحثين والمُنظرين لم يهتد إلى هذا النوع العجيب من {نقد قراءة البرومو»، أي النقد الذي يقرأ كف مادة الدعاية والذي اختار البعض، من خلاله، محاكمة الفيلم، عبر إعلانه الترويجي، ومن دون الانتظار حتى موعد عرضه في صورته النهائية!

  اللافت للنظر أن حملة الهجوم، التي تدثرت بعباءة {نقد قراءة البرومو{ بدأت في توقيت واحد تقريباً، واعتمدت الخطاب التحريضي نفسه، الذي يستنكر موافقة الرقابة على إجازة الفيلم، ويؤلب المتشددين ضد بطلته، بحجة أنها تُشيع الفحشاء، وتُزين الرذيلة، بل إن أحدهم اتهم الفيلم، الذي كتبه علي الجندي، بأنه {لا يتحدى المجتمع وتقاليده فحسب، بل يتحدى الدستور المصري، وقانون الطفل وحماية النشء}، كونه استعان بأطفال في أدوار البطولة!

  أخطر ما في الأمر أن بعض هؤلاء استنكر رقص هيفاء، وغناء حكيم، وبذاءة محمد لطفي وباسم سمرة، واتهم الفيلم بأنه {ضار جدا بالصحة العامة}، وزعم أحدهم أنه مأخوذ من الفيلم الإيطالي {مالينا} (Malena 2000) بطولة مونيكا بيلوتشي، بينما أقسم آخر أنه مقتبس من الفيلم الأميركي {القارئ} (The Reader 2009) بطولة كيت وينسلت، وكلها اتهامات يصعب على المرء التثبت من صحتها لأن الفيلم ـ ببساطة ـ لم يُعرض بعد، ولم يُشاهده أحد!