لم تفلح جلسة الحوار الاستراتيجي الثالثة بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي أمس في رأب تباينات المواقف بين الطرفين حيال الملف السوري بشقيه العسكري- السياسي، والإنساني، وهو ما اتضح في تصريحات وزيري الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد والروسي سيرغي لافروف، خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقداه أمس في ختام الجلسة.

Ad

وبينما أشار الخالد إلى خلاف في وجهات النظر حيال الملف السوري، معتبراً أن ذلك متعلق بالخلاف حول الأولويات فقط، وأن ثمة اتفاقاً تاماً على مواصلة المناقشات والمباحثات حول كل القضايا ذات الاهتمام المشترك, ذهب الوزير الروسي إلى تكرار مواقف بلاده الداعمة للنظام السوري، وقال إن هناك مؤامرة لإفشال «جنيف2» لاعتماد الخيار العسكري، «وهو أمر مرفوض»، مؤكداً أن بلاده لا تحبذ تكرار تجربة ليبيا في سورية، وأنه «لا مخرج للازمة إلا عن طريق المفاوضات».

ودعا لافروف الحكومة والمعارضة السوريتين إلى رفض تحويل بلادهما إلى أرض خصبة للإرهاب، وضرورة تسهيل عمل الطواقم الإنسانية لإيصال المساعدات إلى المحتاجين, معتبراً أن التفكير في هيئة الحكم الانتقالي يجب أن يتم بعد اتفاق المعارضة والحكومة على النظام الجديد.

أما بشأن الأمن في منطقة الخليج، فدعا لافروف إلى معالجة انعدام الثقة بين بعض الدول العربية وإيران, مبدياً استعداد بلاده للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وخصوصاً بين الرياض وطهران، وقال: «إذا طلب الطرفان ذلك فإننا سنأتي بهذا التعاون، ولكننا لن نفرض أنفسنا عليهما»..

 أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد، ترحيب دولة الكويت بانعقاد الاجتماع الوزاري الثالث للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وروسيا الاتحادية.

وأضاف الخالد خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده أمس مع الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «تشرفنا صباح أمس مع وزير الخارجية الروسي بلقاء سمو امير البلاد، حيث نقل لافروف دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة سمو الأمير لموسكو، وتم بحث سبل توطيد العلاقات الثنائية، والارتقاء بها الى مستويات الطموح، وبما ينسجم مع الضوابط التاريخية بين البلدين والتي ترجع الى القرن العشرين، والعلاقات الدبلوماسية العريقة التي يزيد عمرها هذا العام على النصف قرن».

كما تقدم الخالد بالشكر الى وزير الخارجية الروسي لافروف لما تقدم به من طرح ومداخلات قيمة اثرت مداولات الاجتماع. وشكر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني لدوره الملموس في تسهيل وانجاح الاجتماع.

واستعرض الخالد نتائج المباحثات الخاصة بالاجتماع الوزاري الثالث للحوار الاستراتيجي الخليجي - الروسي، التي تهدف الى تقوية التعاون لتشمل كافة المجالات مع روسيا باعتبارها احد ابرز الشركاء الاستراتيجيين. وذكر أن الملف السوري كان حاضرا في المباحثات، وكانت وجهة نظر الجانبين مختلفة، وتم الاتفاق على مواصلة المشاورات وصولا الى فهم مشترك.

وذكر أنه في ما يتعلق بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكد الجانبان تطابق وجهات النظر حول النزاع العربي - الاسرائيلي، وأن السلام الشامل والدائم لا يتحقق قبل انسحاب اسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، طبقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.

وأضاف الخالد: «أكدنا في الاجتماع على دعوة المجتمع الدولي الى الاستمرار في دعم مساعي الشعب الفلسطيني السلمية لنيل حقوقه الوطنية المشروعة».

وفي ما يتعلق ببرنامج النووي الايراني، قال الخالد انه تم الترحيب بالاتفاق التمهيدي الذي وقعته مجموعة (5+1) مع ايران بتاريخ 24 نوفمبر العام الماضي في جنيف، باعتباره خطوة اولية نحو اتفاق شامل بشأن البرنامج النووي الايراني لانهاء القلق الدولي والاقليمي حول هذا البرنامج والذي من شأنه ترسيخ دعائم الأمن والسلم الدوليين.

لافروف

 ومن جهته، قال وزير الخارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف: «نقلت لسمو الامير الشيخ صباح الأحمد دعوة رئيس روسيا لزيارة روسيا الاتحادية»، مضيفا ان «لزيارة سموه تأثيرها في تطور العلاقات وهناك مشاريع مستقبلية كبيرة بين البلدين لاننا نرغب في تعزيز العلاقات الثنائية بين بلدينا ونحن على ثقة بان علاقاتنا على هذا المستوى الكبير سوف تخدم الشراكة بين روسيا والكويت ودول المنطقة».

واشار الى ان البحث خلال الاجتماع تركز على مشاريع الاستثمار في العلاقات الثنائية بين البلدين، لافتا الى انه «تم تحديد قاعدة عمل مشتركة والعمل على الاستثمار في العلاقات الاقتصادية وزيادة العلاقات الانسانية التي ستعزز خدمة شعبينا».

واضاف ان الاجتماع المشترك أكد «أهمية العلاقات الروسية - الخليجية والتأكيد على أهدافنا المشتركة»، مؤكدا انه «تم تحديد قاعدة عمل مشتركة مع التركيز على التطورات الحاصلة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مع التركيز على الملف السوري، التي نتفق على ضرورة ان يتحقق فيها العدل والمساواة والأمن والاقتصاد القوي لتحسين الوضع المتدهور هناك وذلك انطلاقا من بيان جنيف٢ ونتوقع من المبعوث الأممي الاخضر الإبراهيمي تعزيز المحادثات وايضاً نتطلع الى خطوات مماثلة في القضية الفلسطينية حتى يعم السلام في المنطقة».

وأشار لافروف الى أن «الاجتماع تناول برنامج ايران النووي وأكدنا خلال مناقشة هذا الملف أهمية الالتزام بالاتفاقيات الدولية بهذا الشأن خصوصا اتفاقية ٥+١ ويجب اتخاذ الخطوات لضمان مراعاة مصالح دول المنطقة وعدم تهديد ازدهارها».

وأكد لافروف «أننا تعاهدنا على تعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا ودول الخليج على كافة الصعد»، مؤكدا ان روسيا تدعم كافة السبل التي تعزز هذه العلاقات وتضمن استدامتها كما انها تدعم الأنظمة التي تحقق الاستقرار في المنطقة والمبادرات التي تخدم الشعوب.

وردا على سؤال حول عدم التطرق الى موضوع الخلافات بين الطرفين بخصوص الملف السوري قال لافروف ان «الاختلافات الموجودة بيننا طفيفة لا تكاد تذكر ولذلك لم نسلط الضوء عليها وركزنا على القاعدة والاهداف المشتركة، فجل اهتمامنا جميعا ان تعود سورية كما كانت آمنه ومزدهرة».

أمن الخليج

وأضاف: «أما بشأن برنامج الأمن في منطقة الخليج فيجب معالجة انعدام الثقة الذي ما زال قائما بين بعض الدول العربية وايران، وطرحنا الانطلاق بمسيرة جديدة للتخفيف من هذه الامور لمزيد من الثقة بين جميع الاطراف ويمكن توفير المساعدة من الاسرة الدولية والدول الاعضاء في مجلس الامن او الاتحاد الاوروبي، وهذه فكرة تقدمنا بها واحلناها امام دول المنطقة ونحن على استعداد لمساعدة دول المنطقة على تحسين الوضع والجو العام وتقديم اي مساعدة ضرورية تساعد على تخطي كافة التحديات عن طريق الحوار».

وعما اذا كان بالامكان ان تقوم روسيا بتقريب وجهات النظر بين دول الخليج وايران، قال لافروف: «نحن نهتم فعلا بتطبيع العلاقات بين دول المنطقة وايران وخصوصا بين المملكة العربية السعودية وايران ونحيي كافة اشكال الاتصالات والحوارات واتمنى ان نصل الى حوار  بناء بين ايران والسعودية لان ذلك يخدم مصلحة البلدين ويتطلب هذا الحوار تعاونا من الخارج واذا ما طلب الطرفان ذلك فاننا سنأتي بهذا التعاون ولكننا لن نفرض انفسنا فرضا عليهم».

شريك استراتيجي

وفي حوار مع الصحافيين، قال الخالد ان روسيا بالنسبة لدول مجلس التعاون تمثل شريكا استراتيجيا وهناك مجالات تعاون كثيرة بين الطرفين بالاضافة الى دور روسيا الاتحادية في امن واستقرار المنطقة وجميعها تحت مظلة هذا الحوار الاستراتيجي

وأضاف: نحن اليوم نشهد تطور اوضاع متسارعة في دول المنطقة واخذت هذه الاوضاع حيزا كبيرا من هذا الاجتماع ولكن الجانبين الخليجي والروسي يوليان اهمية كبرى لحل هذه القضايا.

تنسيق أمني - خليجي

وعن إعلان السعودية قانونا يجرم الارهاب والذهاب للمشاركة في القتال في المناطق المتنازعة وعما اذا كان هذا يعتبر مثالا يحتذى في بقية دول الخليج قال الامين العام لدول مجلس التعاون عبداللطيف الزياني ان «دول المجلس لديها اتفاقية في مجال التعاون لمكافحة الارهاب وكافة دوله صادقت على هذه الاتفاقية، وهناك جهود محلية لدى كافة الدول الاعضاء لمكافحة هذا التحدي، وكما تعلمون فان التنسيق مستمر بين دول المجلس سواء كان في الجهد الامني في مكافحة الارهاب او في مجال تبادل المعلومات في ما يخص مكافحة هذه الظاهرة».

وعن دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني من الكويت لدول مجلس التعاون للعب دور وساطة بين ايران والسعودية، وعما اذا كانت هناك خطوات تقوم بها في هذا المجال، قال الزياني ان «دول مجلس التعاون كانت دائما سباقة في مد يد التعاون والتقارب والتحاور والتواصل مع الجانب الايراني، ورحبنا بخطاب الرئيس روحاني، ونحن ندعو الى اثبات حسن النوايا الايرانية، حيث ان هناك بعض الامور المتعلقة باحتلال جزر الامارات والتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول ووجود قوات ايرانية في سورية، واستمرار هذه الامور لا يدعم الانطباع الايجابي الصادر من الجانب الايراني».

مؤامرة الخيار العسكري

وعن أهم نقاط الاختلاف خلال هذا الاجتماع ، قال لافروف: «يجب ألا ننظر للمفاوضات في مجملها على انها فشلت، ونحن لسنا مسرورين للصعوبات التي تواجهنا، لأننا لن نغلق الباب امام اي تقدم وما من مخرج الا عن طريق المفاوضات وهذه القاعدة تطبق على كل القضايا والأزمات ومن ضمنها الأزمة السورية التي لا يمكن حلها عن طريق التدخل العسكري».

وتابع: «هناك عدد متزايد من المحاولات لإفشال مسار جنيف الثاني كما ان هناك مؤامرة لاعتماد الخيار العسكري وهو مرفوض، وموسكو متمسكة بموقفها تجاه هذه الأزمة من خلال التنفيذ الكامل لبيان جنيف الصادر عام ٢٠١٢ ووقف كل انواع العنف وإطلاق الحوار بين الحكومة والمعارضة».

وشدد على ضرورة التوصل الى مرحلة انتقالية من اجل إقامة نظام سياسي جديد في سورية من خلال دولة علمانية تؤمن بالحرية للجميع، وأضاف أن التفكير في هيئة الحكم الانتقالي يجب ان يتم بعد اتفاق المعارضة والحكومة على النظام الجديد، مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة تسهيل عمل الطواقم الانسانية لإيصال المساعدات للمحتاجين، لافتا الى ان كل تلك المفاوضات تتطلب وقتا وجهدا.

وأضاف: «نحن لا نحبذ استخدام الحل العسكري ولا نريد تكرار ما حدث في ليبيا في سورية ولهذا يجب ان يتحمل الكل مسؤوليته، ونحن قلقون لانتشار أشكال العنف في سورية ولبنان والعراق وعلى المنطقة بشكل عام، ولعل حادثة التفجير قرب السفارة الكويتية في لبنان دليل على ذلك، ولهذا فان هدفنا المشترك يكمن في دراسة تلك الأوضاع وان تشعر ايضا الحكومة والمعارضة انهم مسؤولان عن بلادهما التي لا ينبغي ان تكون ارضا خصبة للإرهاب».

«انقلاب» أوكرانيا

وعن آخر التطورات بشأن الوضع في أوكرانيا، اعتبر لافروف في البداية أن ما يحدث في أوكرانيا بمنزلة الانقلاب ومحاولة الوصول الى السلطة من خلال قوة السلاح، وأضاف ان موسكو قلقة جدا لتطور الأحداث وخصوصا ان الأوضاع باتت خطيرة جدا وطال التهديد كل المؤسسات الحكومية، متهما في الوقت نفسه بعض الدول الغربية بمحاولة تدخلها في الأزمة وتشجيع المعارضة على التدخل من خارج التشريعات الحالية بالاضافة الى تهديدها بفرض العقوبات.

وحمل المعارضة مسؤولية ما يحدث نتيجة رفضها للمفاوضات ما جعلها غير قادرة على الامتثال لما تم التوصل اليه في البرلمان الأوكراني، واعتبر ان ما يحدث اليوم أعمال تخريبية من قبل المتشددين الذين يحاولون اتهام روسيا بإعادة فرض النظام السوفيتي السابق، مضيفا «محاولات باطلة كل من يريد ربط موسكو، ونحن لن نحاول مجددا اللجوء الى الوساطة لان الكثير من جهود الوساطة بذلت في السابق».

اختلاف في الأولويات

وفي مداخلة للشيخ صباح الخالد، قال ان «مناقشة الوضع في سورية مع الجانب الروسي امر مهم جدا، لان روسيا راع مشترك مع الولايات المتحدة في مؤتمر جنيف الثاني، وروسيا دولة عظمى دائمة العضوية في مجلس الامن ولديها أصدقاء ومصالح في المنطقة وشاركت بفعالية في مؤتمري المانحين الاول والثاني، وبين الأصدقاء هناك نقاط اختلاف في الأولويات فقط ولكن هناك اتفاقا تاما على مواصلة المناقشات والمباحثات حول كل القضايا ذات الاهتمام المشترك».

لافروف يدعو إلى اجتماع دولي لـ «أمن الخليج»

اقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمة أمام المشاركين في جلسة الحوار الاستراتيجي الثالثة بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي امس عقد لقاء دولي حول ضمان الأمن في منطقة الخليج، مؤكدا استعداد موسكو للتعاون مع شركائها العرب في مراجعة النظرية الروسية السابقة الخاصة بأمن المنطقة.

وبهذا الصدد أشار لافروف, بحسب موقع «روسيا اليوم» إلى أن المنطقة العربية شهدت تغييرات كبيرة بعد طرح هذه النظرية، وبالتالي فمن المجدي العودة إلى بحث هذه القضية في إطار لقاء بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وغيرها من الأطراف المعنية.

واقترح لافروف إجراء اجتماع لخبراء أكاديميين ودبلوماسيين بهذا الشأن قبل نهاية العام الجاري، وذلك كخطوة تمهيدية لعقد اللقاء المذكور. كما أكد اهتمام الجانب الروسي بعقد مؤتمر حول مسألة إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها.

وتوقع وزير الخارجية الروسي أن يتوصل أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى اتفاق على قرار بشأن الوضع الإنساني في سورية في الأيام القليلة المقبلة. وقال «إذا لم يُقدم أحد في مجلس الأمن على تسييس هذا الموضوع ولم يحاول تمرير المواقف الأحادية الجانب فإنني أعتقد أننا سنتمكن من التوصل إلى اتفاق في الأيام القليلة المقبلة».

وقال لافروف ان بلاده قدمت مشروع قرار بشأن سورية إلى مجلس الأمن الدولي، لافتا إلى أن «ما قدمته مشروع متميز قائم بذاته ولا يتعلق بتعديل مشروع القرار الذي قدمته لوكسمبورغ وأستراليا والأردن، وإنما قدمت موسكو مشروع قرار جديدا يحتوي على رؤيتنا للدور الذي يمكن أن يلعبه مجلس الأمن في حل الأزمة السورية».