نمت الميزانية الحالية بواقع 10.5 في المئة عن ميزانية العام الماضي، رغم أن السياسات الحكومية كانت تجتهد خلال العامين الماضيين في عدم رفعها عن مستوى 21 مليار دينار.

Ad

لم تحمل الميزانية العامة للدولة لعام 2014 - 2015 أي جديد في فلسفتها أو طريقة إعدادها او حتى توقعاتها، بل سارت على نفس طريق الموازنات السابقة من طغيان للإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنفاق الرأسمالي، فضلا عن تضاؤل نسبة الإيرادات غير النفطية عن نسبة الإيرادات العامة التي لم تتجاوز 6.29 في المئة فقط.

وفي تفاصيل الميزانية، نجد أنها بلغت 23.212 مليار دينار، على فرضية كمية إنتاج 2.7 مليون برميل يوميا، بسعر صرف الدولار 286 فلسا، وسعر البرميل 75 دولارا، أما في ما يتعلق بالإنفاق فقد حصل الباب الأول (الرواتب والأجور) على 24 في المئة منها، والباب الثاني (المستلزمات السلعية والخدمات) على 16.8 في المئة، والباب الثالث (وسائل النقل والمعدات) على 1.24 في المئة، والباب الرابع (المشاريع العامة والاستملاكات) على 8.65 في المئة، في حين كان الباب الخامس أكثر الأبواب إنفاقا من الميزانية، بواقع 49.3 في المئة.

وهنا نجد أن أبواب الإنفاق الرأسمالي «الثالث والرابع» لا تكاد تتجاوز 9.9 في المئة من إجمالي الميزانية، وهي نسبة منخفضة للغاية خليجيا وعالميا، وتعبّر عن أن الميزانية تميل بشدة نحو الانفاق لا التنمية، وهذه إحدى العلل الأساسية في فلسفة إعدادها.

 أعلى الأبواب

ونمت الميزانية الحالية بواقع 10.5 في المئة عن ميزانية العام الماضي، رغم أن السياسات الحكومية كانت تجتهد خلال العامين الماضيين في عدم رفعها عن مستوى 21 مليار دينار، إلا أن الارتفاع هذا العام جاء نتيجة الأبواب المرتبطة بالإنفاق الاستهلاكي الجاري، مقابل تراجع أبواب الإنفاق الرأسمالي، اذ بلغت قيمة الباب الأول 5.586 مليارات دينار، بنمو قدره 7.5 في المئة عن العام الماضي، في حين بلغت قيمة الباب الثاني 3.919 مليارات دينار، بنمو 1.1 في المئة، والباب الخامس (المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية) 11.399 مليار دينار، بنمو 21.1 في المئة، أي ان هذا الباب «(لخامس) بات أعلى أبواب الميزانية قيمة ونموا.

ويرتبط الباب الخامس برواتب بعض المؤسسات كالقطاع النفطي ودعم العمالة والعلاج بالخارج لأكثر من جهة حكومية، والرعاية الاجتماعية والبعثات الدراسية الاجتماعية والاحتياجات العسكرية لوزارة الدفاع.

أما الانخفاض فكان من نصيب أبواب الباب الثالث الذي بلغت قيمته 290 مليونا، بانخفاض قدره  17.5 في المئة، وكذلك الباب الرابع الذي بلغت قيمته مليارين، بتراجع 9.9 في المئة عن ميزانية العام الماضي.

ويبلغ إجمالي الرواتب والأجور وما في حكمها 10.5 مليارات دينار، موزعة بين البابين الأول والخامس، ويبلغ إجمالي الدعم على الخدمات 5.9 مليارات دينار، موزعة بين البابين الثاني والخامس.

مخاطر الوضع

المشكلة أن الشكوى في الكويت على أعلى المستويات الحكومية تتعالى منذ سنوات طويلة من سوء الإنفاق والخوف على الفوائض، بل انه منذ عام 2011 بات الحديث أكثر صراحة عن مخاطر الوضع القادم والدخول في دائرة العجز، لكن هذا الخطاب لم ينعكس على الميزانية العامة للدولة، لا من حيث القيمة المخصصة لأبواب الانفاق الرأسمالي، ولا من حيث تنمية الإيرادات غير النفطية، في وقت تتعاظم فيه آليات الإنفاق بشكل مخيف، وخصوصا اذا عرفنا أن الميزانية تصاعدت من 3.188 مليارات دينار في عام 2000- 2001 الى 23.212 مليارا في عام 2014-2015، أي أنها تضاعفت 7.2 مرات، في وقت تراجعت فيه نسبة الإيرادات غير النفطية في الميزانية من أعلى مستوى لها  15.2 في المئة في عام 2001 -2002 الى 6.3 في المئة في ميزانية العام الحالي.

 وتبلغ قيمة الإيرادات غير النفطية 1.263 مليار دينار، بما يعادل 6.29 في المئة من إجمالي الايرادات، وهي نسبة ضئيلة جدا، إذ إنه كلما ارتفعت قيمة هذه الايرادات كانت الميزانية في وضع افضل، ويفترض أن تمول هذه الايرادات من إعادة النظر في أسعار استئجار الأراضي التابعة لأملاك الدولة وإعادة النظر في اسعار الخدمات كالكهرباء والوقود وفرض ضرائب على الشركات وأصحاب الدخول العالية، فضلا عن استقطاب الشركات الاجنبية لتعزيز محفظة الضرائب، وهذه كلها تحتاج الى جهود وجرأة في اتخاذ القرارات، دون انتظار حسابات سياسية أو تحالفات وقتية.

إيجاد بدائل

وتعتبر الإيرادات غير النفطية مقياسا لنجاح النشاط الاقتصادي في أي بلد نفطي، وهي أكثر جودة من الإيرادات النفطية، فالأولى مرتبطة بنشاط اقتصادي، أما الثانية (النفطية) فترتبط بمعايير سوق عالمي يمكن أن نتأثر بتقلباته، خصوصا في ظل حالة عدم اليقين التي يعانيها الاقتصاد العالمي والمخاوف من انخفاض الطلب، إضافة إلى تنامي إنتاج النفط الصخري، لذلك من المهم العمل على ايجاد بدائل لرفع قيمة الإيرادات غبر النفطية ونسبتها في الميزانية، لئلا نصبح في خطر أي هزة سلبية في سوق النفط او حتى في الاقتصاد العالمي يمكن أن تؤثر في طلب النفط.

لعل أحد أفضل القرارات المالية التي تم اتخاذها خلال السنوات الأربع الأخيرة كان رفع استقطاع الإيرادات لمصلحة احتياطي الأجيال القادمة من 10 إلى 25 في المئة، وهو يساعد الدولة على تكوين احتياطيات مناسبة للمستقبل، ويخفف من «استفراد» الجيل الحالي بالثروة النفطية، وكان هذا القرار من المفترض أن يكون علامة تحوّل على سلوك جديد في إدارة الدولة المالية، لكنه - مع الأسف - لم يتم.