كما في كل مرة تثار فيها مسألة على علاقة بعملية خطف في لبنان، أعادت عملية إطلاق المخطوفين اللبنانيين التسعة في أعزاز تسليط الضوء على المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية في ضوء مطالبة قسم من اللبنانيين بأن تعمل الدولة اللبنانية وأجهزتها المعنية على الكشف عن مصير ما يزيد على الـ628 معتقلا في سجون النظام السوري تمكنت المنظمات غير الحكومية التي تعمل على هذا الملف من توثيق أوضاعهم.

Ad

وتأخذ هذه الجهات على السلطات اللبنانية عدم الاهتمام بهذه القضية وحصر اهتماماتها بالشؤون التي تتعلق بأوضاع المحسوبين على حزب الله و»قوى 8 آذار»، وتجاهل وتناسي الملفات المتعلقة بالأشخاص المحسوبين على «قوى 14 آذار» وأحزابها وقواها السياسية ومناصريها.

وإذا كان الجواب الرسمي السوري قد تمحور على مدى سنوات طويلة حول عدم وجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية فإن المتابعين للملف يلفتون الى أن التطورات المتلاحقة منذ عام 1996 جاء لتثبت في كل مرة بالدليل الحسي القاطع بأنه دمشق لا تقول الحقيقة بالنسبة الى هذا الملف.

فبعد نفي قاطع لوجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي اعلن رئيس الجمهورية الأسبق المرحوم الياس الهراوي بأن في سورية 210 معتقلين بينهم 10 مسيحيين و200 مسلم. لكن مبادرة السلطات السورية في عام 1998 الى إطلاق 121 معتقلا من سجونها من بينهم 16 مسيحيا أثبتت أن الحديث عن 10 مسيحيين فقط كانوا مسجونين غير صحيح، وحمل دليلا على أن السلطات السورية تتكتم على المعتقلين اللبنانيين لديها.

وجاءت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عام 2000 بعد زيارة للبطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير بالسعي لدى السلطات السورية إلى إطلاق 54 معتقلا بينهم 10 مسيحيين وتسعة فلسطينيين، لتؤكد المؤكد لناحية وجود مئات السجناء اللبنانيين غير المعلن عنهم في السجون السورية.

وقد رفعت لجنة المعتقلين السابقين في السجون السورية ملفا كاملا معززا بالوثائق عن 628 حالة لاتزال قائمة الى السلطات اللبنانية القضائية والحكومية التي كلفت الوزير الأسبق جان أوغاسابيان متابعة الموضوع مع السلطات السورية من دون نتيجة على الرغم من عشرات اللقاءات والاجتماعات والزيارات التي قام بها أوغاسبيان في دمشق.

وتتساءل اللجنة التي تضم في عدادها 248 معتقلا سابقا في السجون السورية عن الأسباب التي لاتزال تحول دون معالجة هذا الملف مطالبة بإحالته الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، مقرة بأن مثل هذه الخطوة تبدو غير متاحة إجرائيا في هذه الظروف بالنظر الى عدم انضمام لبنان الى اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية.

وتطالب اللجنة السلطات اللبنانية بالعمل على تشكيل لجنة تحقيق دولية في هذا الملف على أن ترفع نتائجها الى محكمة دولية خاصة يصار الى استحداثها لمهمة محددة تنحصر بملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.

وتلفت اللجنة الى أن الحكومة اللبنانية سبق لها ان وقعت في عهد الرئيس الاسبق للحكومة فؤاد السنيورة الاتفاقية الخاصة بالخطف والإخفاء القسري، إلا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لايزال حتى اليوم يرفض احالتها إلى الهيئة العامة للمجلس لإبرامها بذريعة ان المراسيم التي أحالتها حكومة الرئيس السنيورة الى مجلس النواب تفتقد الى الميثاقية بسبب استقالة الوزراء الشيعة منها.

وتشكو اللجنة التمييزَ بين المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية الذين صرفت لهم تعويضات ليتمكنوا من المضي في حياتهم، في حين حرم المعتقلون اللبنانيون في السجون السورية من حقوق مماثلة. وتلفت الى حالات من الفساد والمحسوبيات والهدر في هذا المجال بحيث يستفيد 9120 معتقلا مفترضا في سجن الخيام من أنصار حركة أمل وحزب الله من تعويضات الاعتقال، علما أن المعتقل لم يكن يتسع إلا لـ220 معتقلا، وأن السجلات الرسمية لمعتقل الخيام التي وضعت اليد عليها بعد انسحاب اسرائيل من لبنان تثبت أن 2118 معتقلا فقط أمضوا فترات متفاوتة من الاعتقال في هذا السجن.

ويذكر أن نوابا ينتمون الى كل من «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» سبق ان تقدموا باقتراحي قانون للتعويض على المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري لايزال يرفض إحالة هذا المشروع إلى الجهات النيابية المختصة لدراسته وإقراره تارة بحجة عدم جواز المساواة بين اسرائيل وسورية، وتارة اخرى بحجة عدم القدرة على إثبات اعتقال اللبنانيين في السجون السورية قانونا.