ما إن ودَّعنا سنة هجرية إلا وقد حلت علينا سنة ميلادية جديدة أخذنا نتراسل ونُبرق لبعضنا بالتهاني والأمنيات الطيبة، وما تركنا مفردة ولا جملة تليق بالمناسبتين إلا استخدمناها!!
يليقُ بنا ونحن نتبادل التهاني "التي أصبحت تقليدية" ولعلنا نقول "أصبح مضمونها ضعيفا بما يدور حولنا" أن نتذكر مآسينا وقتلانا، وتشرد أهلنا وتشرذمنا وانقساماتنا حول عقيدتنا وإرثنا، والتي تضاعفت صورها وأشكالها.وأن نتفكر في الطبيعة "الساخطة على سلوكياتنا" التي نواجهها يوميا، وهي تتآمر مع أعدائنا، وتمس كرامتنا الإنسانية في كل لحظة... فقد هبت عواصف ثلجية وأمطار وسيول جارفة على غير المعهود بها دمرت وأغرقت وقاساها آلاف المشردين والفقراء في بلادنا العربية خاصة، وكأن الآية الكريمة "فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ". هنا موقعها.أو هي غضب رباني وعلامات تُنذر بأهوال قادمة لا يدركها إلا ذوو الألباب الذين يتفكرون ليلا ونهارا في ما يجري من طارئ على منهج الحياة ومقدراتها التي فُطر عليها وجود البشر.الاحتفال بقدوم عام والترحم على فراق عام، مشاعر يحتاجها الفرد كي يرمم بعض ما انكسر في داخله من أحلام وأمنيات لم تتحقق، أو حزن ألمّ به على فراق حبيب من أهله أو أصدقائه أو خسارة مالية.كما هي الحال في استقبال العام الجديد القادم ومعه "المجهول" الذي يريده أن يكون حسنا وطيبا يقع عليه بكل الخير. وهذا إحساس المتفائلين به والمنتظرين تحول الحالة التي هجرهم عليها العام المنصرم إلى حالة الأمل الكبيرة غير اليقينية، لكنهم في حاجته حتى لو كانوا متوجسين من باعث أمل في نفوسهم التي لا حول لها ولا قوة مع "علم الغيب" الذي لا يعلمه غير علام الغيوب وأخفاه عنهم رحمة بهم.أعترف أني كأي واحد منكم قد فعلت مثلكم، وأبرقت بالتهاني بالكلمات والصور لكل الأصدقاء.وأعترف أنها عادة حميدة ولا لبس من ورائها، إذ إنها تُقوي أواصر الصداقة والمحبة بين الأصدقاء.وأعترف أنني قد هنأت من هم في أقصى الأرض واستقبلت منهم التهاني بفرح.ولكن!! ثمة شيء في داخلي كان يستقبل التهاني بمثل ما أرسلها يلازمه شعور "بالخجل"، ولا أريد أن أستخدم كلمة أكثر معنى وقبحاً وتفسيراً لمشاعري تلك التي اختلطت وتكدرت حتى باتت سوداء هي أقرب إلى التشاؤم منها إلى حالة الأمل والتفاؤل التي حملتها رسائلي، وأخرى استقبلتُها من الأصدقاء.وأعترف أنها ليست المرة الأولى التي يتملكني فيها هذا الشعور بالإحباط والتشاؤم كلما حلت مناسبة تستدعي التهاني، ذلك أنني أتيت إلى الدنيا وسط صخب النكبة الكبرى، التي عشت تفاصيلها حتى اللحظة بكل قسوتها، وتفاؤل المتفائلين في وقت "ما"!!إلا أن أوقات القسوة ما زالت قائمة بأطول وأكبر مساحة، وكلما تملكني شعور بانكماشها تفاجئني بتمددها واتساع رقعتها حتى ملأت الحياة في كل جوانبها.وما زلتُ أراها تتمدد كالزئبق لا يمكن القبض عليها لتشمل الكثير من بلادنا العربية، وتحطم المزيد من قيمنا وتتغلغل في معتقداتنا، بل تحولها إلى غير ما وجدت من أجله، والمصيبة الكبرى أن معظم الدمار الذي حل ومازال يحل ببلادنا في أكثره هو من تدبيرنا وصنع أيدينا!!فمن أين للتهاني أن تأخذ مجراها الصحيح وتستقر في النفس التي اضطربت وخافت وضعف إيمانها؟!وأخيراً أعترف لكل الذين هنأتهم واستقبلت تهانيهم، أني كنت صادقا فيما أرسلتُ وفيما استقبَلتُ، ذلك أنها كانت لحظات سرقتها لأكسر جدار التشاؤم والإحباط الذي يحيط بكل مناسباتنا التي نأمل استغلال ما فيها من بِشرٍ وسعادة.فلا ذنب لمن "اقترف" لحظة فَرح وسرور وسط آتون الحزن والاضطراب والإحباط، والتخبط!! * كاتب فلسطيني من كندا
مقالات - اضافات
أعترف!!
04-01-2014