أدعية «تويتر»!

نشر في 04-03-2014
آخر تحديث 04-03-2014 | 00:01
يا سادتي، كما أن صلاة المرء بلا خشوع وحضور ذهن تصير حينها مجرد حركات ميكانيكية فارغة، فلا قيمة كذلك للدعاء إن لم يكن صادقا نابعا من القلب، فلندرك هذا جيدا ولنضع أدعيتنا ومناجاتنا لله عز وجل في أطرها الصحيحة وننزهها عن النقص والابتذال عبر "تويتر" وغيره.
 د. ساجد العبدلي يكثر الناس من "الدعاء" في "تويتر"، وأستطيع أن أفهم الأمر حين تكون الأدعية التي "يغردون" بها من الأدعية المأثورة التي يودون نقلها للآخرين نشرا للفائدة وبحثا عن الأجر، لكنني غير قادر حتى الساعة على قبول فكرة أن يدعو الإنسان بأدعية "خاصة" في هذه الشبكة، أو غيرها من شبكات التواصل الاجتماعي!

شبكة "تويتر"، وما يشابهها، شبكات تواصل عامة، وليست مساحات "بوح" خاصة، أي أن المتحدث من خلالها كالواقف في السوق رافعا صوته بالحديث، ومن يقول إن حديث "المغرد" مقصور على عدد متابعيه لا يفهم "ديناميكية" وحركة "تويتر"، فتغريدة يكتبها مغرد ليس له إلا مئة شخص من المتابعين يمكن لها أن تصل إلى ملايين الأشخاص من خلال إعادة التغريد أو ما يسمى بخاصية "ريتويت".

الدعاء هو العبادة، كما قال النبي عليه أتم الصلاة والسلام، والعبادة، أي عبادة، ممارسة شخصية يحاسب عليها الفرد يوم القيامة فردا، حيث قال الله تعالى في سورة غافر "وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"، وبالتالي فإن الدعاء مناجاة تعبدية خاصة بين المرء وربه، فالمرء يدعو ربه "رغبا ورهبا" في صلاته، وفي خلواته، وفي جوف الليل والناس نيام، وفي غير ذلك من الأوقات والأحايين بما يحتاج إليه ويريده في الدنيا والآخرة، ولذلك لا ترى المرء أبدا يقف في "السوق" أو في غيره من الأماكن العامة رافعا صوته قائلا "اللهم احفظ لي أبنائي وأهلي"، "اللهم ارزقني مالا وفيرا"، أو غيره من الأدعية الخاصة لأن هذا مخالف لأساس فكرة الدعاء كما بيَّنت.

نعم أستطيع أن أتقبل أن ينشر المرء دعاء عاما، كما ذكرت، وأن يجهر به في "تويتر" وغيرها من الشبكات، كأن يقول "اللهم احفظ الإسلام والمسلمين"، "اللهم عافنا واعف عنا"، وما شابه لكنني لا أستسيغ فكرة نشر أدعيته "الخاصة" على الملأ. وفي الحقيقة فإنني أرى أن في هذا شيئا من "الاستعراضية" إن لم يكن "الرياء"، وهو ما يتعارض مع فكرة المناجاة الربانية ويسحقها.

قد يقول قائل إن البعض يدعو في "تويتر" لعل دعوته توافق "تأمين" أحد من الصالحين فيستجاب لها، فأقول بأن دعوة الصادق في دعوته والمحتاج حقا والمظلوم ليست بخافية على الله بحال من الأحوال، ولا تحتاج إلى شبكات التواصل الاجتماعي لنشرها حتى تصل، بل إن دعوة "المظلوم" ليس بينها وبين الله حجاب، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، رجل، أي شخص، ذكر الله خافيا، أي خفية وهو لوحده، ففاضت عيناه، أي لصدقه وخشيته البالغة من الله عز وجل. وقد جاء في الحديث القدسي: "قال اللهُ تَعَالَىٰ: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ، وَلا أُبَالِي".

يا سادتي، كما أن صلاة المرء بلا خشوع وحضور ذهن تصير حينها مجرد حركات ميكانيكية فارغة، فلا قيمة كذلك للدعاء إن لم يكن صادقا نابعا من القلب، فلندرك هذا جيدا ولنضع أدعيتنا ومناجاتنا لله عز وجل في أطرها الصحيحة وننزهها عن النقص والابتذال عبر "تويتر" وغيره.

back to top