في الأوطان «الحصيفة» لا تساهل مع الأفاعي السامة ولا تجارب مستحيلة لتغيير الفطرة التي فطرها الله عليها، الأفاعي تلدغ متى ما وجدت الفرصة، وهي لا تميز بين من يرعاها ويغذيها وبين من يتحاشاها ويسعى إلى التخلص منها، فهل سمعتم عن أفعى سامة وطيبة وبنت حلال؟

Ad

لا بأس في تجريب صنف جديد من الطعام، الأجانب مثلاً في بعض دول جنوب شرق آسيا يأكلون الحشرات المقرمشة والعقارب بالبقسماط والديدان للتحلية، هم لديهم هوس في الاكتشاف ومعدة المهووس هي نطاق تجاربه الغذائية، ففي الأمور الخاصة ذات الحدود الواضحة يمكن للإنسان تجريب ما يريد؛ التجارة، السفر، السهر، تسلق قمة إفريست... إلخ، المهم أن قراره الشخصي لا يشمل ولا يمس الآخرين بأي شيء.

بخصوص السهر تذكرت حكاية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وكيف أنه "قلب" مواعيد أسواق القاهرة، وجعلها تستفتح رزقها مع نزول ظلمة الليل، والسبب أنه لا يستطيع النوم بالليل مثل "الناس" وكره أن يسهر لوحده... وعليه غيَّر مسار حياة الناس الطبيعية لتكون تحت رحمة مزاجه المتقلب.

في الأوطان "الجادة" لا يمكن التجريب في مشاريع مليارية أو التوقف عن تنفيذها في منتصف الطريق؛ لأن الفشل في الأشياء الكبيرة يطلق أجواء الإحباط التي تشل إنجاز الأشياء الصغيرة وتحرر الطاقة السلبية من مكامنها.

في الأوطان "المتينة" ليس هناك اختيار بين يقظة القانون ونومه، لأن التطبيق يكون على مدار الساعة، ويشمل كل من هم تحت مظلته، ولا يحتاج إلى طلب الإذن كل مرة، ليس هناك مجال لتجريب الباطل بدلاً من الحق، أو الظلم بدلاً من الإنصاف، ولكن هناك واقع واحد يقول إن الباطل والظلم سيبقيان، كما الحق والإنصاف، حتى نهاية الدنيا ولا سبيل غير مكافحتهما وتقليل صورهما للحدود الدنيا.

في الأوطان "الحصيفة" لا تساهل مع الأفاعي السامة ولا تجارب مستحيلة لتغيير الفطرة التي فطرها الله عليها، الأفاعي تلدغ متى ما وجدت الفرصة، وهي لا تميز بين من يرعاها ويغذيها وبين من يتحاشاها ويسعى إلى التخلص منها، فهل سمعتم عن أفعى سامة وطيبة وبنت حلال؟

في الأوطان "الحرة" لا مكان للتفكير بتصنيع مخلوقات بشرية ترتبط بعقل واحد، تتحرك بوقت واحد وتتكلم بلسان واحد، وتنتظر الأوامر من مصدر واحد، الطبيعة البشرية تميل إلى التباين والاختلاف، وهي تسير بسرعات متفاوتة مع سرعة الزمن؛ لذلك ليس مستغرباً وجود بشر يعيشون في الزمن الماضي وغيرهم في الزمن الحالي، وآخرون يحاولون كل يوم القفز إلى المستقبل.

في الختام الأوطان ليست حقول تجارب لأنها أرض الجميع، ومن يرد التجريب فلديه "معدتة" يحشر فيها ما يشاء، طعام، تبن، ورق جرايد... أي شيء.