ما يؤكد أن خيار الحوار بين السعودية وإيران أصبح ضرورة حتمية مؤشرات الجانبين في السياسة الداخلية والخارجية، فإيران في ظل حكومة روحاني شعارها المصالحة مع العالم الخارجي واستقطاب الاستثمار الأجنبي في الداخل، والسعودية على الطرف الآخر بدأت تحارب الفكر المتطرف والتكفيري ومنع مواطنيها من الذهاب للقتال في الخارج.

Ad

أسئلة كثيرة تثار حول التقارب السعودي-الإيراني، ومدى جدية هذا المشروع ومن يقف وراءه وانعكاساته على المنطقة، فبدون سابق إنذار ورغم حالة القطيعة والعداء المستتر يوجه وزير الخارجية السعودي دعوة علنية إلى نظيره الإيراني لزيارة الرياض واستعداد المملكة للتفاوض مع إيران حول كل الملفات.

البعض يرى هذا التصريح المفاجئ محاولة لخلط الأوراق من جانب الأمير سعود الفيصل على خلفية الخلافات الداخلية وترتيبات شؤون الحكم السعودي الذي باتت معالمه واضحة، بينما يرى البعض الآخر أن المبادرة السعودية هي آخر سهام وزير الخارجية لفتح هذه الصفحة ليغادر بعدها رافعاً الحرج عن الدبلوماسية السعودية الجديدة.

التفسير الثالث يذهب إلى محاولة استباق الرياض زيارة سمو الأمير صباح الأحمد إلى طهران والإعلان عن وساطة كويتية بين السعودية وإيران، كما حدث في سيناريو زيارة الرئيس الأميركي للمملكة قبل شهر عندما سمي ولي العهد الثاني قبل وصول أوباما.

مهما كانت هذه التبريرات والتفسيرات فإن السعودية تجد لزاماً عليها فتح قنوات الحوار مع إيران، حيث خسرت دبلوماسياً وسياسياً في أفغانستان حتى شمال إفريقيا، ولم تعد المملكة بذات الثقل الاستراتيجي في زمن التحولات العالمية الجديدة وانحسار النفوذ الأميركي في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وما كسبته السعودية هو التنازلات الإيرانية في ملفها النووي، الأمر الذي يجعل الطرفين الخليجيين بدرجة شبه متكافئة وفي مستوى من الندية للتفاوض حول الكثير من القضايا السياسية والأمنية.

ما يؤكد أن خيار الحوار بين السعودية وإيران أصبح ضرورة حتمية مؤشرات الجانبين في السياسة الداخلية والخارجية، فإيران في ظل حكومة روحاني شعارها المصالحة مع العالم الخارجي واستقطاب الاستثمار الأجنبي في الداخل، وبهذا دخلت في مفاوضات عسيرة مع الغرب للتخلي عن أجزاء مهمة من برنامجها النووي مقابل صفقة اقتصادية مجدية.

والسعودية على الطرف الآخر بدأت تحارب الفكر المتطرف والتكفيري ومنع مواطنيها من الذهاب للقتال في الخارج، وأدخلت حزمة من الضوابط لمنع الطرح الطائفي في الصحافة والإعلام والمناهج الدراسية، وبدأت بمشاريع داخلية عملاقة ذات طابع تنموي واستراتيجي، ورصدت لها أكثر من 200 مليار دولار على مدى السنوات الخمس القادمة، الأمر الذي من شأنه تغيير ملامح المملكة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.

تبقى القضايا الأمنية والسياسية هي المحك الرئيسي لكل من السعودية وإيران، وبدون الوصول إلى نقاط التقاء حولها لا يمكن لأي طرف أن ينجح في مشاريعه الداخلية وكسب ثقة شعبه في ظل رياح المطالب السياسية العاتية والتجارب الصعبة التي شهدتها دول الربيع العربي.

النتيجة النهائية لأي تقارب سعودي-إيراني مهما كانت دوافعها ذاتية المصدر أم إملاءات خارجية لا شك أنها ذات مردود إيجابي على المشهد الإقليمي في منطقة الخليج، وفي ذلك خير للشعوب قبل الحكومات!