حسمت المحكمة الدستورية في أحكامها الصادرة الأسبوع الماضي جملة من القضايا الهامة بمناسبة فصلها في الطعون الانتخابية التي وجهت للعملية الانتخابية التي أجريت في 27 من يوليو الماضي، ومن أهم تلك القضايا التي تناولتها الاحكام هي سلامة تنفيذ الحكومة لحكم المحكمة الدستورية الذي انتهى إلى بطلان مجلس ديسمبر 2012 وإلى سلامة تشكيل الحكومة التي أصدرت هذا المرسوم رغم وجود الوزيرة العضوة من برلمان مجلس 2012 المبطل، وإلى عدم إمكانية عودة مجلس 2009 لسلامة حله وأخيرا إلى التأكيد على سلامة مرسوم الصوت الواحد الذي انتهى إلى تعديل نظام التصويت وفق قانون الدوائر لتنهي المحكمة بذلك حالة الجدل الذي شاب سلامة الانتخابات الماضية.

Ad

وخلال العامين الماضيين وضعت المحكمة الدستورية العديد من المبادئ الهامة التي تخص الإجراءات التي يتعين على الحكومة اتباعها لدى إصدار مراسيم حل مجلس الأمة أو حتى للمراسيم الداعية للانتخابات أو حتى ما يخص سلامة العملية الانتخابية، كما حددت المحكمة النطاق الزمني والموضوعي لمراسيم الضرورة التي كفل الدستور وفق المادة 71 منه للأمير تفعيلها في حال غياب مجلس الأمة وجعلت من أمر إصدارها أمرا مكلفا وقابلا للقضاء بعدم الدستورية مثلما فعلت مع المرسوم بقانون الخاص بإنشاء اللجنة العليا للانتخابات.

ليس ذلك فحسب بل ان قضاء المحكمة الدستورية شهد تطورا برأيي إيجابيا للعديد من الطعون الدستورية وآخرها الطعن على عدم دستورية المادة 25 من قانون أمن الدولة ومثل هذا التطور في التصدي وإن اتفقنا مع منهج ومسلك المحكمة أو اختلفنا يبقى تطورا لازما سببه برأيي إقحام القضاء بفاتورة الخلاف السياسي في البلاد فكان قدره ونصيبه ووفق معطيات علمه ودرايته الدستورية أن يخرج بتلك الأحكام وفق معادلة الاحكام القضائية الطبيعية بأن هناك من يربح فيمتدح الحكم وهناك من يخسر فيذمه!

وبعد سلسلة الطعون والقضايا التي أرهقت القضاء الدستوري منذ عام 2001 عندما عرضت امام المحكمة الدستورية العديد من طلبات التفسير التي تخص السؤال البرلماني أو حتى الاستجواب مرورا بمسؤولية رئيس الوزراء إلى الطعون الانتخابية التي أبطلت مجلس فبراير 2012 ومجلس ديسمبر 2012 وبتأكيدها لسلامة مجلس2013 الحالي، بات لازما أن يرتاح القضاء من كل أنواع الغبار السياسي الذي يتوجب على أطراف المعادلة السياسية إدراكه جيدا فإرهاق القضاء بمزيد من هذا النوع من القضايا هو إشغال للدور المطلوب من القضاء!

وبات لازما على الحكومة والمجلس سويا أن يحتويا حجم الخلافات التي دأب بينهما والتي نشبت برأيي بسبب حالة العناد السياسي اثر عدم اجتماع مجلس 2009 مجددا بعد إعادته من المحكمة الدستورية في حكمها الصادر في يونيو 2012 فسمحت بذلك العناد للجوء الحكومة إلى المحكمة الدستورية لإبطال مرسوم الدوائر وبعدما فشلت، قررت حل مجلس 2009 ثم رفعت مرسوم الضرورة الداعي لتعديل نظام الدوائر وتعديل التصويت فيه ومن بعدها انتقلت معركة معالجة أوضاع تلك الأزمة السياسية عن طريق القضاء، فأبقت المحكمة الدستورية الصوت الواحد وأبطلت مجلس ديسمبر 2012 ودعت لانتخابات جديدة أوجدت المجلس الحالي، ولكن السؤال المهم الذي أطرحه هنا وهو إلى متى يتدخل القضاء لإنهاء  حالة الصداع السياسي المغلف بطعون قانونية تعرض أمامه ليفصل فيها رغم أن أطراف المعادلة قادرين على حلها ورغم أنهم يعلمون جيدا أن تكلفة الحل القضائي التي تعرف إلى القانون وحده باهظة الثمن؟!