عندما تنسحب قوات بشار الأسد (الحكومية) من مواقع في حلب وتسلمها إلى "ميليشيات" يدل اسمها "النجباء" على أنها طائفية ومذهبية حتى النخاع الشوكي، وعندما يكون حزب الله هو ومعه قوات إيرانية من حراس الثورة وفيلق القدس هو صاحب انتصارات يبرود التي امتدت إلى طرابلس وإلى بيروت، وعندما يكون هناك أكثر من اثني عشر تنظيماً مذهبياً مُسْتقدمة من العراق ومن إيران تقاتل في أكثر من منطقة في سورية مرة من أجل: "تحرير فلسطين" ومرة أخرى من أجل حماية مقام السيدة زينب ومن أجل حماية قبر حجْر بن عدي... أفلا يعني هذا أن هذا البلد العربي محتل وأن هذه الميليشيات هي التي تذبح السوريين، من طائفة معينة، وتنكِّلُ بهم كل هذا التنكيل؟!
قبل فترة لا تزيد عن بضعة أسابيع أبلغني وزير إيراني سابق عمل في مرحلة الرئيس الأسبق محمد خاتمي وانتهى منفياً في إحدى العواصم الغربية أن قوات حراس الثورة أشرفت خلال الأعوام الثلاثة الماضية على تدريب أكثر من ثلاثمئة ألف من العراقيين المتمذهبين ومن اللبنانيين الذين اختطفهم حسن نصرالله وحاد بهم عن طريق المسار القومي العروبي والوطني اللبناني... وأيضاً من "العلويين" الذين بعضهم استقدم من تركيا ومن "المتطوعين" الإيرانيين... ألا يعني هذا أن سورية هذه الدولة العربية محتلة بالفعل من قبل قوات أجنبية وأنه على القمة العربية، التي ستنعقد غداً في دولة الكويت العزيزة، أن تأخذ هذا بعين الاعتبار، وأن تتخذ قرارات فعلية ترتقي إلى مستوى كل هذا التحدي الذي هو في حقيقة الأمر تحدٍّ للعرب والعروبة؟ثم إن المفترض أن تكون لهذه القمة، أعانها الله وسدد على طريق الحق والخير خطاها، وقفة إزاء مسألة في غاية الخطورة وهي أن "التفريغ" والتهجير الذي تشهده سورية يستهدف التركيبة "الديموغرافية" وتحويل طائفة معينة هي الطائفة السنية من أكثرية وبأرقام فلكية تزيد عن السبعين في المئة إلى أقلية مشتتة ومشردة داخل وطنها وخارجه، وهذه مسألة لم يعد السكوت عليها ممكناً، ولاسيما أن هذا النظام الذي هو طائفي وليس نظام الطائفة يُخضع هؤلاء إلى محاكم تفتيش كتلك التي مورست ضد العرب والمسلمين في الأندلس وإسبانيا بعد انهيار الدولة العربية هناك.وهنا ومرة أخرى ألا يخجل الذين يطالبون بحماية الأقليات في سورية من أنفسهم ومن الحقائق التي تفقأ العيون وهم يعرفون أن الأكثرية هي التي باتت بحاجة إلى مثل هذه الحماية، وأن جميع المدن والبلدات والقرى التي تمت تسويتها بالأرض من البوكمال ودير الزور والرقة إلى حلب وإدلب وحماة ويبرود وحمص والقصير وكل ضواحي دمشق بما فيها مخيم اليرموك ودرعا في الجنوب هي مناطق سنية... هذه الأكثرية التي من الواضح أنَّ هناك مخططاً لتشريدها وتشتيتها وتحويلها مع الوقت ومع استمرار كل هذا العنف الأهوج إلى أقلية لا وجود فاعل لها على الساحة السورية.لقد طفح الكيل فعلاً ولقد أصبح السكوت ووضع الأكف فوق العيون تحاشياً لرؤية الحقائق بمثابة المشاركة في هذه المؤامرة "الخسيسة"، ولاسيما أنَّ الأمر لم يعد بحاجة إلى المزيد من الإثباتات، وأن الكل يعرف أن نحو تسعة ملايين من المهجرين في الداخل والخارج هم من هذه الطائفة التي بقيت مستهدفة في مكانتها وفي دورها في بلدها منذ نحو نصف قرن، وأن كل الذين استهدفتهم التصفيات الجسدية هم من أبناء هذ الطائفة وكذلك الجرحى والمساجين في معتقلات جماعية معروفة وغير معروفة، وهذا يجب أن تقف عنده هذه القمة التي من المفترض أن تسلم مقعد سورية في الجامعة العربية إلى "المعارضة" التي اعترفت بها أكثر من مئة وعشرين دولة من بينها معظم الدول العربية كممثل شرعي للشعب السوري.كنَّا نخشى قول هذه الحقائق خوفاً من سياط الطائفيين الذين حالهم كحال "العائبة" التي تحاضر على الآخرين بالشرف والعفة وهي متورطة حتى عنقها في الرَّذيلة، لكن وقد أصبح السكوت بمثابة المشاركة في هذه الجريمة فإن علينا أن نتخلى عن صمتنا وأن نقول الحقائق واضحة وضوح الشمس، وأول هذه الحقائق أن الطائفية في "القطر العربي السوري" قد بدأت بالحزب، حزب البعث، وبالجيش العقائدي وأنَّ الذين بقوا يحيطون بالرئيس الراحل حافظ الأسد وأصبحوا خارج وطنهم يعيشون في المنافي البعيدة والقريبة كانوا يُستخدمون كـ"ديكورٍ" لإخفاء هذه الطائفية، وأن الذين يحيطون الآن بالرئيس الحالي يدل على دورهم في صنع القرارات حال فاروق الشرع نائب الرئيس الذي غير معروف أين هو الآن وحال عبد الله الأحمر... هل تذكرونه؟! وحال هؤلاء الذين أرسلوا إلى جنيف2 بخطب مكتوبة وبرقابة بثينة شعبان وبشار الجعفري وآخرين من الذين يقودون القاطرة من فوق المقاعد الخلفية البعيدة عن عيون وسائل الإعلام!
أخر كلام
برسم القمة العربية!
24-03-2014