سأظل أتعلم حتى آخر لحظة!

نشر في 08-12-2013
آخر تحديث 08-12-2013 | 00:01
إن استذكار النصائح والإرشادات ومعاودة قراءتها، أو العودة لتدارسها ومناقشتها مع المهتمين بها، سواء في الحلقات النقاشية أو الجلسات الخاصة أو حتى في الدورات والورش التدريبية، يجعلها أكثر متانة ورسوخا في العقل والنفس طبعا، لكن يجب أن يظل المرء يتعلم ويتعلم حتى آخر لحظة في حياته.
 د. ساجد العبدلي بدأت مؤخراً بتنفيذ فكرة جديدة تمثلت بقيامي بتسجيل قراءات لمقالات متفرقة من كتابي الأخير "كلمة وكلمتين"، والذي هو في الأصل عبارة عن مجموعة من مقالات النصائح والإرشادات الحياتية والإنسانية، الأمر الذي أعطاني فرصة فريدة لإعادة قراءة تلك المواد التي كنت كتبتها على فترات متفرقة من حياتي بظروف متنوعة ومزاجات ونفسيات مختلفة.

ما لفت انتباهي أني كثيراً ما وقفت مندهشاً عند مقالات أو فقرات أو عبارات تضمنها الكتاب، وكأنها تصادفني للمرة الأولى بالرغم من أني أنا من كتبها، أقف عند نصيحة أو وصفة أو إرشاد بعينه، فأتساءل مستغرباً كيف غابت هذه الفكرة عن ذهني، حين تعرضت مؤخراً لذلك التحدي أو العائق أو العثرة في الحياة؟ وقد كان سينفعني كثيراً لو كانت حاضرة أمامي بوضوح.

هذا الأمر جعلني أدرك يقينا أن معرفة أي فكرة بشكل جيد ومستفيض، بل حتى الوصول إلى مستوى القدرة على الكتابة عنها لنقلها للآخرين، لا يعني بالضرورة أنها أصبحت جزءا راسخا من صميم برمجة الإنسان الداخلية، حتى يمكن أن تصبح بعد ذلك جزءا من سلوكه وتنساب على جوارحه مباشرة عند الحاجة إليها، بل الأمر بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك.

والسر في ذلك لا يكمن بالضرورة في أن تلك المبادئ لم تكن سليمة أو كانت غير صالحة للتطبيق، بل في أن من امتلكها عجز عن تطبيقها على نفسه فحسب؛ ولهذا فمن الممكن جدا أن يستقي الواحد منا المعرفة والإرشاد ممن يمتلكها ويجيد تعليمها ونقلها للآخرين، ولكنه لا يقدم نفسه كنموذج تطبيقي كامل لها مئة في المئة، حتى تلك اللحظة.

هذا ما يمكن أن أسميه "المسافة بين النظرية والتطبيق" وفي هذه المسافة الفاصلة تكمن جملة من الموانع والعوائق.

أهم تلك العوائق في نظري يتركز في أن من الممكن أن يمتلك الإنسان أفكاراً سديدة ولكنه عندما يواجه التحديات تختلج مشاعره وتضطرب عواطفه، فتفقده القدرة على التركيز العقلي، وهذا أمر مشاهد كثيراً لو نحن نظرنا من حولنا.

لذا يظل الإنسان دوماً، ولو كان من أرجح الناس عقلا، بحاجة إلى من يعينه ويسانده ويشير عليه، ولعل ذلك المستشار المعين المساند لن يحتاج إلى أكثر من تهدئة نفس صاحبنا ومساعدته على استذكار وتطبيق ما يعرفه جيدا.

من الطبيعي أن يفقد الواحد منا السيطرة على أعصابه ومشاعره عند مواجهة التحديات، وذلك بأقدار تختلف من شخص إلى آخر، لكن تكرار مواجهة هذه التحديات هو ما يكسبه الخبرة، فيزداد جلده سماكة وقلبه صلابة وأعصابه متانة، ولا يعود يفقد تركيزه وقدرته على الحكم الصائب كما كانت حالته في المرات الأولى.

وفي الخلاصة، فإن استذكار النصائح والإرشادات ومعاودة قراءتها، أو العودة لتدارسها ومناقشتها مع المهتمين بها، سواء في الحلقات النقاشية أو الجلسات الخاصة أو حتى في الدورات والورش التدريبية، يجعلها أكثر متانة ورسوخا في العقل والنفس طبعا، لكن يجب أن يظل المرء يتعلم ويتعلم حتى آخر لحظة في حياته.

back to top