إشكالية أخلاقية أكثر منها سياسية
ستظل فلسطين وحالتها البائسة، واحتلالها الغاصب، المؤشر الأبرز على ضعف العالم في مواجهة الشر والاستلاب ومنطق القوة وغطرستها.كانت جنوب إفريقيا وإسرائيل العنصريتان هما الدولتين اللتين تذكران العالم بسوءاته. فقد قامتا على أساس عنصري، ومارستا العنصرية قانوناً ومنطلقاً. ولم يكن مستغرباً على الإطلاق أن يكون التعاون بينهما على أشده، بل إن المجالات المشتركة بينهما وبالذات الأمنية صارت نموذجاً لا يبارى. كان إحساسهما بوحدة المصير العنصري ضارباً في حدوده القصوى.
وما إن سقط نظام الأبارتايد العنصري في جنوب إفريقيا، حتى شعر النظام الإسرائيلي العنصري بالقلق والهلع، فبسقوطه ومن قبله، نظام روديسيا العنصري، أصبح الشكل العنصري الصهيوني، غريباً، وصار عليه أن يعمل في اتجاهين الأول كسب حلفاء غربيين، والتوسع دولياً، والثاني التشدد العنصري داخلياً. كان الحراك الشعبي والرأي العام الدولي قوياً وعلنياً مناهضاً للعنصرية، مسانداً للحق الفلسطيني، وتوسعت حركة المقاطعة، التي عبرت عن نفسها في مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. وفي المقابل، زادت السياسات العنصرية تشدداً في الداخل، وربما كان أحد أبرز مؤشراتها هو الجدار العازل، على الرغم من إدانته دولياً وعبر المحاكم الدولية، ما نتج عنه زيادة التشدد ووصول العناصر الأكثر تطرفاً إلى سدة الحكم.لم يعد الدفاع عن إسرائيل أو التعاطف معها أو تأييدها من قبل العديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، موضوعاً سياسياً، بل صار يعبر عن إشكالية أخلاقية، فالدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية صار مسبباً للحرج للدول الداعمة.فلا يمكن لدولة أن تدافع عن إسرائيل دون أن يكون ذلك متناقضاً مع المبادئ الإنسانية العامة، والتفاصيل في هذا الأمر كثيرة، وكانت المفاجأة الكبرى في التصويت الكاسح لصالح عضوية فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اعترضت على عضوية فلسطين خمس دول فقط، من ضمنها أميركا وإسرائيل، والذي جاء في سياق التحولات الدولية، وعدم قبول الاستهتار الإسرائيلي تجاه المجتمع الدولي.الإسرائيليون يدركون أن الزمن ليس لصالح العنصرية والاحتلال والعزل الاجتماعي، سواء بجدار أو بغير جدار. وبوجود قيادة إسرائيلية متطرفة، تشعر بالقلق والخوف، لن يكون أمامها إلا افتعال الأزمات لكي يقوموا بضرب وقتل الفلسطينيين. وهو قتل يصل إلى مصاف جرائم الحرب.