تأتي سلاسل هيئة الثقافة المصرية، بهدف التواصل مع التراث العربي الضخم من الفكر والإبداع، وإعادة تأمله واستعادته ليستمد منه النشء قيم الانتماء والفخار، والرؤية الصائبة للتطور الحضاري وما يصاحبه من تبدل المفاهيم الثقافية على نحو مستمر.
ضمت السلاسل أعمال كبار الكتاب أمثال طه حسين وإبراهيم عبد القادر المازني وغيرهما، وتنوعت بين القصة والرواية والدراسات النقدية والفكرية، إضافة إلى تبسيط مادتها للقارئ الناشئ.استهلت سلسلة «تبسيط الأدب» بكتاب «فنون الأدب الشعبي» للكاتب الراحل أحمد رشدي صالح، الذي أعدَّه أحمد بهي الدين العساسي، ويتناول موضوع الأدب الشعبي في المدينة والقرية، ناقلاً صور الحياة التي تعبر عن تجربة البشر في مراحل تاريخية مختلفة.أحمد رشدي صالح أحد رواد حركة الفنون الشعبية العربية، وأنشأ «مركز الفنون الشعبية» في مصر عام 1957، وله مؤلفات وترجمات عدة في هذا المجال، فضلاً عن حصول على جوائز علمية عربية.يتناول صالح في دراسة وافية الأدب الشعبي كأحد فروع التراث {الفولكلور}، ويعرف بالفن البلاغي الذي أنتجته الشعوب بلغتها، وتناقلته عبر القرون، ثم صار في تاريخه الحديث يضم الفكرة الوطنية، ويستخدم اللهجات العامية في التعبير عن معطيات وجدانية وفكرية.يقول د. طه حسين: {كل أديب لا يستقي مادته وروحه من حياة الشعب فليس أديباً ولا هو بكاتب للأدب، وعلى ذلك فلا بد من أن تعرف ماذا يقول الشعب، وكيف يعيش الشعب، وكيف يحكي حكاياته وأقاصيصه، ولا بد للمنتجين من دراسة الأدب والحياة بين البيئات المختلفة للناس}.وثمة جهود قدمها العلماء العرب لتوثيق الحياة الشعبية العربية والفنون والآداب التي نشأت فيها، وهذه الجهود ليست كلها حديثة، فمنها جهود قديمة في القرن الثالث الهجري، مثل {رسالة في لحن العامة} لعلي بن حمزة الكسائي تلميذ الخليل بن أحمد الفراهيدي.وفي القرن الرابع عشر وضع محمد البلبيسي مؤلفه {الملح والطرف} وهو نموذج للأسلوب الفصيح والعامي، وفي القرن التاسع كتب ابن سودون {نزهة النفوس ومضحك العبوس}، وأفرد فيه صفحات للزجل والموال الشعبي.وفي عام 1949 صدر للكاتب أحمد تيمور {الأمثال العامية}، حيث عقد مقارنة بين بعض الأمثال باللهجة الدارجة ونظائرها في الفصحى، وكتاب {الكتابات العامية} الذي رصد فيه التراكيب البلاغية العامية.وتلخص فنون الأدب تاريخاً اجتماعياً طويلا، ليس عن المرأة والرجل فحسب، بل عن الجماعة الشعبية، كيف عاشت، وماذا لقيت في حياتها، وكيف استجابت للطبيعة، وكيف جاهدت حتى تستقيم للإنسان سيطرته على زمانه وبيئته والطبيعة خارج نفسه وداخلها؟ كذلك احتل الشعر والأغنية الشعبية مكانة في ثقافة الأمم ووجدانها، ويجمع الفلكلوريون على تقسيمها حسب موضوعها، فإما هي ملحمة أي قصيدة تغنى وتدور حول بطولات وفروسية، أو قطعة شعرية غنائية قصيرة تدور حول حادث واحد، أو بكائيات وأغاني للأطفال.صندوق الدنياتستعيد سلسلة «الأدب العربي للناشئين» أعمال كبار الأدباء العرب، ومن بينها «صندوق الدنيا» للكاتب والشاعر الراحل إبراهيم عبدالقادر المازني، و»عود على بدء» و»من النافذة» و»إبراهيم الكاتب» وغيرها. وجمع المازني في كتاباته بين التراث العربي والأدب الإنكليزي، وترجم كثيراً من القصائد الإنكليزية إلى اللغة العربية، كذلك انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة، والمجمع العلمي العربي في دمشق.ويعد «صندوق الدنيا» أحد أهم وأشهر كتب المازني، ويمزج في جزأين بين القصة والحكاية متناولاً مجموعة من المواقف والمغامرات بأسلوب أدبي مشوق، ومعالجاً قضايا اجتماعية عدة في النصف الثاني من القرن الماضي.ويحمل عنوان الكتاب رمزية الصندوق الذي يجمع الحياة بتناقضاتها كافة كالحب والكراهية والسعادة والشقاء.يقول المازني: «صندوق الدنيا كان فرحتنا ونحن أطفال، عندما نراه نركض بسرعة نحو الرجل كي نشاهد ما يحدث داخل الصندوق، فيحدث في عالم الصغار ما يحدث في عالم الكبار، من كرم وبخل وحب وكراهية».ويستخلص القارئ عبرات من تلك الثنائيات المتجاوزة لزمن كتابتها، واستشراف المازني لمستقبل وطنه وأمته، وغوصه في أعماق النفس البشرية، وتفاعله مع حياة البسطاء وأحلامهم الدائمة بغد أفضل.يوضح الناقد أحمد النيناوي الذي قام بتبسيط الكتاب: «أهم ما يميز المازني عن غيره من الكتاب، أنه كان قادراً على صناعة المعادلة «البساطة والعمق»، فلا يختلف عليه قارئ وناقد، وكتاباته جديرة بأن تخرج للناشئين لما فيها من أفكار وفكاهات، تجعلهم مقبلين على القراءة والاطلاع». ودفعت سلسلة «الأدب العربي للناشئين» برواية الكاتب محمد المنسي قنديل «يوم غائم في البر الغربي» كأحد الأعمال القليلة التي تخاطب النشء، وتتناول حقبة تاريخية مرت بها مصر.ويعد قنديل أحد أدباء جيل السبعينيات، وله كتابات متميزة للطفل العربي، كذلك صدرت له روايات ونصوص قصصية عدة، ومن بينها «انكسار الروح، من قتل مريم الصافي، احتضار قط عجوز».
توابل
إطلاق سلاسل ثقافيَّة للناشئين في القاهرة
16-01-2014