جذور بلا قاع
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
حقيقة أننا لم نسع للانتماء إليه ولم نحاول الحصول على جنسيته مع أنها تحق لنا وتمكننا من الحصول على حقوق تسهل العيش والسياحة والتملك فيه، لكننا لم نشعر في يوم ما بأننا لنا حق في هذا الوطن المغترب عنا والمغتربين نحن عنه، وكلما نظرت إلى جمال الطبيعة الباذخ فيه كلما صرخ صوت في داخلي قائلا: كم لي من حق فيها.فما الذي يجعل المواطن غير منتم إلى جذره، وما الذي يجعل جذره عائما ومنفصلا وبلا قاع؟ ما يكون لنا وطن هو ما تحتضنا أرضه وما نعيش على ترابه الذي نولد عليه وندفن فيه، نتعلم حبه من معايشتنا لعاداته وتقاليده وصحبة أهله، وكم أخذنا منه وكم أعطيناه من عمر الطفولة والصبا والشباب والكهولة، فالوطن والشعور بالانتماء إليه لا ينبع ويأتي فقط من الجذور، وربما لا يكون للجذور أي صلة أو معنى أو قرابة تربطها بالمواطنة، لأن المواطنة ليست ميراثا وحقا فقط يتولد من جد إلى أب إلى ابن وحفيد يحميها قانون وشهادة تثبت أحقيته بالتواجد والوجود فيه، بل المواطنة في رأيي هي الشعور بالانتماء إلى رقعة معينة من أرض يحبها المرء وولد فيها ويعشق العيش بها، ويشعر بالائتلاف مع كل ما فيها من طبيعة وإنسان وحجر، يألفها كما يألف نفسه، ويفهمها كفهمه لذاته، لأن المعرفة والائتلاف هما الجاذب في علاقة العشق والمعشوق، وهما الأساس الذي يقوم عليه هيكل العلاقة والبنيان.لذا نجد كل هؤلاء الذين يولدون ويكبرون في أوطان غير أوطانهم، يصعب عليهم العودة إلى جذورهم والعيش بعد ذلك في أوطانهم، الأمر الذي يعانيه الكثيرون من الذين عادوا إلى أوطان لا يشعرون بجذورهم الممتدة فيها.وهذا ما أسميه جذورا بلا قاع، فالقاع هو الذي يربط النبات العائم بجذره فيثبت في تربة أرض ثابتة مدى حياته وامتداداته من بعدها، لذا نجد بعض النباتات والزهور تتواجد في بعض المواسم في أمكنة لم تُخلق لها، حملها تيار الماء وأوجدها في بيئة أخرى لأن جذورها لم تتشبث في قاعها.وها هي جذور والدي تنفصل بموت أمه الاسطنبولية، ليعاود غرس جذوره والده السعودي في مدينته حائل في أقصى شمال الجزيرة العربية، ليعاود بعدها والدي غرس جذره في الكويت، وليصبح لنا في نهاية رحيل زنابق الماء جذور فيها.