تعرّض بنيامين نتنياهو، ولا يزال يتعرض، لانتقادات واسعة النطاق من قبل اليمين الإسرائيلي، الذي هو أكثر رموزه تشدداً، ليس لأمر يتعلق بمفاوضات السلام مع الفلسطينيين التي يتابعها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بل لأنَّ نجله يائير على علاقة عاطفية بطالبة نرويجية، ليست يهودية بل مسيحية، اسمها ساندرا ليكنغر، قد تتطور إلى رابطة زوجية خلافاً لما هو متبع وفقاً للتوجهات العامة في هذه الدولة التي غدت مطيةً للقوى والأحزاب اليمينية.

Ad

وكان نتنياهو، قبل الاقتران بزوجته الحالية التي أنجبت له يائير هذا، متزوجاً من امرأة غير يهودية تدعى فلوركاتس تخلَّى عنها في عام 1984 ربما رضوخاً لضغط القوى الإسرائيلية الأكثر تطرفاً، وأيضاً خوفاً من أن يحول هذا الزواج دون تحقيق تطلعاته في أن يصبح رئيساً للوزراء وأن يصبح أحد الأرقام الرئيسية في معادلة الرموز الأساسية في الحياة السياسية في إسرائيل.

ولعل ما يشير إلى انغلاق عنصري وديني، ربما لا مثيل له في العالم كله، أن عضو "شاس" المتشدد نسيم زئيف قال في مجال استنكار هذه العلاقة التي تربط شاباً يهودياً بفتاة مسيحية: "إنه يجب على نتنياهو إظهار مسؤولية وطنية كرئيس للوزراء... إنها مشكلة كبيرة، وأنا متأكد أنها تؤلمه"، في حين قال موشيه فيغلين عضو "الليكود" المتطرف الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه: "إن هذه العلاقة العاطفية أمر مؤسف للغاية"، إضافة إلى أن منظمة "ليهافا" التي تعمل "لمنع الانصهار مع غير اليهود في الأراضي المقدسة" دعت إلى منع هذه العلاقة، وكتب مدير هذه المنظمة على صفحته في موقع "فيسبوك" محذراً رئيس حكومة إسرائيل من أن أحفاده لن يكونوا يهوداً... وهذا انطلاقاً من أنه يجب أن تكون الزوجة يهودية ليصبح أولادها يهوداً بحسب الشريعة اليهودية.

والملاحظ أن كل هذا يحدث بينما يتوالى ضغط بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وعلى منظمة التحرير للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية كشرط من شروط تعجيزية كثيرة لموافقة الإسرائيليين على قيام دولة فلسطينية مستقلة استجابة لمساعي جون كيري، وبالطبع فإن الفلسطينيين يرفضون هذا الأمر رفضاً قاطعاً وأكدوا وما زالوا يؤكدون أنه لا يمكن أن يتم مثل هذا الاعتراف حتى وإنْ ذهبت هذه الجهود "الماراثونية" التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي إلى الجحيم.

وهذا يدل على أن أقدام هذه الدولة، التي ينظر إليها الغرب المنحاز على أنها دولة ديمقراطية وعلمانية تشبه وردة بيضاء في صحراء الشرق الأوسط المقحلة، في القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة بينما رأسها في القرون الوسطى، كما يدل، قبل ذلك، على أنها دولة عنصرية لا تعترف بأي ديانة أخرى غير الديانة اليهودية ولا تقبل الآخرين، وترفض الاختلاط حتى لمجرد علاقة عاطفية قد تنتهي بالزواج بين شاب يهودي وفتاة مسيحية قد لا تكون ملتزمة دينياً، وربما لا يهمها هذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد. ومن المعروف أنَّ هناك دولاً تعتبر الدين الإسلامي رابطة قومية بالإضافة إلى أنه رابطة إسلامية مقدسة مثل الباكستان، لكن هذه الدول لا تنزل إلى هذا المستوى من العنصرية البغيضة التي وصلت إلى حد رفض علاقة عاطفية بين شاب يهودي وفتاة مسيحية، وإلى حد تعطيل عملية السلام ما لم يعترف الفلسطينيون بدولتهم كدولة يهودية... وهذا يعني أن هذه الدولة، إسرائيل، رغم مرور كل هذه الأعوام الطويلة منذ إنشائها لا تزال غير واثقة لا بنفسها ولا بمستقبل شعبها في هذه المنطقة، كما أنَّها الدولة الوحيدة في العالم التي "تخاف من ظلها".