بعد كثير من الاخذ والرد والصيغ والخلافات على حرف من هنا وكلمة من هناك اقرت الحكومة اللبنانية الائتلافية، برئاسة تمام سلام، منتصف ليل الجمعة - السبت، بيانها الوزاري الذي اعترف بـ"المقاومة" مع "ال التعريف"، أي الاسم الذي يطلقه حزب الله على نفسه، والذي تكرس في الادبيات الرسمية خلال فترة الوصاية السورية على لبنان.

Ad

وكما جاء أمر تشكيل هذه الحكومة الائتلافية بقرار خارجي، يبدو ان قرار إقرار البيان الوزاري جاء بالطريقة نفسها، وسط أنباء عن نصائح وجهت من قبل سفراء بعض الدول الاجنبية والعربية بضرورة تبني صيغة معدلة لتلك التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أكثر من 20 يوما.

واعترف البيان بـ"الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة" في عبارة تمسك بها حزب الله واعتبرها اعترافا به، بينما لم يتطرق البيان الى موضوع انسحاب الحزب من سورية، ولا إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

بند «المقاومة»

وفي البند الخاص بـ"المقاومة" في البيان الوزاري جاء في النص الحرفي للبيان الذي وزع أمس التالي: "استنادا إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة".

ومرت هذه الصيغة بما يشبه الاجماع الذي لم يعكره سوى موقف حزب الكتائب الرافض، والموقف الشخصي لوزير العدل أشرف ريفي الذي تحفظ عن عدم مطالبة حزب الله بالانسحاب من سورية، وعلى عدم مطالبته وقف الامن الذاتي خصوصاً في محيط عرسال، وأيضاً على مرجعية الدولة في موضوع المقاومة.

الجديد في الصيغة المعتمدة للبيان الوزاري إلغاء «المقاومة» ككيان مستقل، وفق ما كان يرد في ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». ويلغي النص كيانية «المقاومة»، ولكنه يعطي اللبنانيين حق المقاومة للاحتلال وللتصدي لعدوانه. المشكلة في هذا النص أنه لا يربط «الحق بالمقاومة» بالدولة، مما يسمح بالاستنسابية، بالإضافة إلى أن هذا النص يحلل السلاح وتوافره وحمله، لا بل يؤيده حتى زوال الخطر الإسرائيلي الذي يعتبره البعض دائماً. هذا يعني استمرارية احتكار «حزب الله» للقرار وتقديم التفسيرات مزاجية في الدفاع عن لبنان من إسرائيل، كما هي حال الفتوى التي يبرر فيها المشاركة في القتال في سورية.

«إعلان بعبدا»

وعن "إعلان بعبدا" اكتفى البيان الوزاري بالقول: "إن هذه الحكومة، ستعمل على متابعة وتنفيذ مقررات جلسات الحوار السابقة. وستسعى حكومتنا إلى (...) الحؤول دون الانزلاق بالبلاد إلى الفتنة (...) وذلك احتراماً ومتابعة لقرارات الحوار الوطني الصادرة عن طاولة الحوار في مجلس النواب وعن هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري في بعبدا".

كما تمت الإشارة أيضا بطريقة غير مباشرة الى "إعلان بعبدا"، في البند الذي ورد فيه "إن حكومتنا ستلاحق تنفيذ خلاصات مجموعة الدعم للبنان المقررة بتاريخ 25 سبتمبر 2013 التي تبناها مجلس الأمن لاحقاً"، علماً أن مجموعة الدعم ومجلس الأمن تبنيا "إعلان بعبدا".

وفي آخر البيان جاءت هذه الفقرة: "تقتضي الحكمة، في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع، فنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصن بلدنا بأفضل الطرق تجاه تداعيات الأزمات المجاورة، ولا نعرّض سلمه الأهلي وأمانه ولقمة عيش أبنائه للخطر"، علما ان "إعلان بعبدا" يدعو الى النأي بالنفس عن الأزمة السورية.

الهبة السعودية

وكان لافتا خص الهبة السعودية للجيش في البيان، حيث جاء في النص: "(...) نؤكد اننا سوف نسرّع عملية تسليح الجيش وتجهيزه من خلال مختلف مصادر التمويل، وعلى وجه الخصوص بفضل المساعدة السعودية الكريمة بقيمة ثلاثة مليارات دولار".

المحكمة الدولية

وأيضاً غاب في البيان أي ذكر للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان المعنية بمحاكمة المتورطين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والسياسيين الذين اغتيلوا بعده، بينما خص بالذكر "جريمة إخفاء الإمام موسى الصدر وأخويه في ليبيا".

بري يدعو إلى جلسة

ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الى جلسة عامة لمجلس النواب عند العاشرة والنصف من يومي الاربعاء والخميس في 19 و20 الجاري صباحا ومساء، لمناقشة البيان الوزاري والاقتراع على منح الثقة للحكومة. وتوقعت مصادر أن تنال حكومة سلام الثقة بعد موافقة تيار المستقبل وحزب الله وبري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وقسم كبير من المستقلين.

«الكتائب»

واجرى حزب الكتائب اجتماعا لقيادته أمس، انقسم خلاله المشاركون بين المجموعة المقربة من الوزير سجعان قزي، التي تسعى للبقاء في الحكومة، مقابل المجموعة المقربة من سامي الجميل التي تضغط نحو الاستقالة، وسط معلومات بأن الحزب يتوجه للبقاء في الحكومة.

«حزب الله»

وبدا أمس أن حزب الله يحتفل بهذا الانتصار الجديد، وأكد وزير الصناعة حسين الحاج حسن (حزب الله) "أن موضوع المقاومة موضوع ثابت وراسخ ومتجذر في البيان الوزاري، وفي كل بيان وزاري سابق ولاحق، فلا حرية ولا سيادة ولا استقلال بلا الجيش وبلا الشعب وحتما بلا المقاومة".

من ناحيته، شدد نائب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" الشيخ نبيل قاووق على أن "المقاومة ضرورة وواجب وطني لا يمكن أن نتنازل أو نتساهل أو أن نساوم عليه، ولذلك نحن نصر ونتمسك بكل حرف من أحرف المقاومة، فأحرفها بالنسبة لنا أغلى من كل ذهب العالم، لأن الذهب يُباع ويشترى، لكن أحرف المقاومة لا تباع ولا تشترى، وهي أسمى من كل المزايدات وأرفع من كل الكيديات والمتاجرات السياسية".

الحريري

أما رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري فقد دافع عن البيان الوزاري، معتبراً أن «معادلة الجيش والشعب والمقاومة، قد انتهت إلى غير رجعة، وأن المخرج الذي تم التوافق عليه لا يعطي أي حزب أو جهة حقوقاً فوق سلطة الدولة ومرجعيتها وسيادتها، ولا يمنح أي صفة من صفات الشرعية لاستخدام السلاح خارج نطاق الدولة وجيشها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية وتوريط لبنان في حروب خارجية».

ولفت إلى أن «المعادلة انتهت، سواء كانت خشبية أو ذهبية، ولم يعد هناك أي مجال للشك أن سلاح المقاومة أو سواه هو قضية خلافية ستبقى برسم الحوار الوطني والرئيس الجديد». وجدد دعوته لـ»حزب الله» بالانسحاب من سورية بالتزامن مع الذكرى الرابعة للثورة السورية.

اشتباكات طرابلس

الى ذلك، قتل تسعة اشخاص مع اندلاع موجة جديدة من اعمال العنف الطائفية في طرابلس شمال لبنان. وهذه المواجهات التي اسفرت ايضا عن اكثر من 50 جريحا، اندلعت الخميس الماضي بين منطقتي جبل محسن العلوية وباب التبانة السنية الشعبيتين المتنافستين، اذ تدعم الاولى النظام السوري، اما الثانية فتدعم المجموعات التي تقاتله. وحصل تبادل اطلاق نار متقطع الجمعة واستمر امس في القطاع الذي يخرقه القناصة.

وقتل أمس شخصان برصاص قناصة، وقضى ثلاثة متأثرين بجروحهم، كما قال لوكالة فرانس برس مسؤول في الاجهزة الامنية.