ليس كل ما يبهر سليماً!

نشر في 31-12-2013
آخر تحديث 31-12-2013 | 00:01
 د. ساجد العبدلي الوزير عندنا لا يملك صلاحية اختيار طاقم وكلائه، ولا القدرة على عزل أحد منهم أو إحالته إلى التقاعد، ناهيك عن عدم امتلاكه أي صلاحيات لما هو أبعد من ذلك وأكثر حساسية، وهكذا فإن فكرة الإتيان بوزير متخصص فنياً في عمل وزارته، أو ما يسمى بالوزير التكنوقراط، هي فكرة فاشلة باقتدار في ظل هذا الواقع.

منذ يومين، وعلى ضوء تشكيل حكومة جديدة، وجدت أحد الإخوة الأفاضل يطالب بالبعد عن المحاصصة وتوسيع المشاركة النيابية وحكومة "تكنوقراط"، ولمثل هذه المصطلحات بريق مدهش ولا شك، فهل هناك أفضل من البعد عن المحاصصة وتوسيع المشاركة النيابية وتشكيل حكومة تكنوقراط، كائنا ما كان هذا الشيء الذي اسمه تكنوقراط؟!

لكن، لنتوقف قليلا يا سادتي ونتفحص هذه المطالبة ومدى صوابها أو لنقل ذكاءها. نعلم أن البرلمان الكويتي الحالي قام على انتخابات الصوت الواحد لمرشح واحد، مما أنتج مجموعاً نيابياً خليطا لا يجمعه أي رابط فكري أو برامجي أو تنسيقي مسبق، وهو الأمر الذي أرادته السلطة أساسا عبر توجهها لآلية الانتخابات هذه، ولذلك فإن هذا البرلمان في حقيقته، ومن خلال آلية الانتخابات التي اتبعت لتشكيله، ليس سوى محاصصة أوتوماتيكية لعرقيات وفئويات المجتمع، وعليه فإن المطالبة بتوسيع المشاركة النيابية في الحكومة وفقاً لهذا الواقع ما هو إلا انتاج لنفس المحاصصة المذمومة، ولكن بشكل متستر وغير مباشر.

ونعلم كذلك، من واقع التجارب الحكومية الفاشلة المتلاحقة، أن القرار الحكومي تتم صناعته عبر آلية مركزية مطلقة يأتي فيها القرار من الأعلى، وأن الوزراء ليسوا سوى موظفين في مناصب عالية، وأبعد ما يمكن عن أن يكونوا قادة أو صناع قرار.

الوزير عندنا لا يملك صلاحية اختيار طاقم وكلائه، ولا القدرة على عزل أحد منهم أو إحالته إلى التقاعد، ناهيك عن عدم امتلاكه أي صلاحيات لما هو أبعد من ذلك وأكثر حساسية، وهكذا فإن فكرة الإتيان بوزير متخصص فنياً في عمل وزارته، أو ما يسمى بالوزير التكنوقراط، هي فكرة فاشلة باقتدار في ظل هذا الواقع، بل ستصيب كل من يقبل بها من المتخصصين في مقتل على صعيد جانبه الفني، لأنها ستحرم العمل من قيمته الفنية، أعني قيمته الوظيفية السابقة إن كان طبيبا أو مهندسا أو اقتصاديا أو غيره، وستحرقه إداريا وسياسيا في واقع خانق لا هامش فيه للحركة المؤثرة ولا مجال فيه للإصلاح.

 أحضر أفضل الناس فنياً في تخصصه، ولنقل الطب مثلا، ثم ضعه وزيرا على رأس وزارة الصحة، وجرده في ذات الوقت، وكما هو حاصل في كل حكوماتنا، من الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرارات المؤثرة والقيام بالإصلاحات الجذرية الملحة، فسينتهي إلى مجرد أضحوكة أو "خيال مآته" ترتدي بشتاً وتتقاضى راتبا عاليا.

نعم، يكفيك لإثارة دهشة وإبهار عموم الناس أن تستخدم كلاماً كبيراً يصعب عليهم فهمه على غرار "البعد عن المحاصصة وتوسيع المشاركة النيابية وحكومة التكنوقراط"، لتجد بعضهم وقد قال كما قال مرسي الزناتي في مدرسة المشاغبين: "أنا مش فاهم أي حاجة، لكن علي النعمة من نعمة ربي، الراجل ده بيتكلم صح". لكن العقلاء يعلمون أن حجم بريق الكلمات ومقدار تعقيدها، لا يعنيان صلاحيتها وصحتها على كل حال، بل لعلها على العكس من ذلك تماماً.

back to top