تتزايد المطالبات في الآونة الأخيرة بضرورة إيجاد دستور جديد أو حتى تعديل الدستور الحالي، لتحقيق المزيد من التوازنات في توزيع الصلاحيات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والصلاحيات الممنوحة لأمير البلاد على اعتبار أن الدستور الحالي يفتقد هذا النوع من التوازن، الذي من شأنه أن يؤخر العملية الديمقراطية في الكويت، إلا أنني أختلف مع هذا الرأي المطروح لسببين: الأول أن سوء الممارسة السياسية من اللاعبين الممارسين لها لا يعني بالضرورة سوء النصوص الحالية في الدستور، أو حتى ضعفها، والآخر أن الوقت لم يحن بعد لتقييم الدستور تقييما حقيقيا يبرر هذا التعديل، ولا حتى بالإمكان تحقيق هذا التعديل الدستوري أو إيجاد دستور جديد في هذه الحقبة التاريخية التي تعيشها الكويت، لأنها ستعيد الدستور إلى الخلف بعكس ما يعتقد المطالبون!

Ad

ليس تلك الأسباب وحدها فقط التي برأيي تبرر عدم التقدم خطوة واحدة لتعديل الدستور، أو حتى إيجاد دستور جديد بحسب ما يقترح البعض، وإنما هناك سبب آخر وهو غياب الفكر التشريعي لدى المجلس والحكومة، وهما الجهتان اللتان منح لهما الدستور حق التقدم بتعديلات دستورية، فمجلس الأمة اليوم يفتقد الفكر التشريعي الذي كان يشغل ذهن المجلس التأسيسي للدستور لدى إصداره نصوص الدستور الحالي، وبات اليوم منشغلا بالصراعات السياسية الضيقة، والتي لا يمكن أن تنتج مشروع دستور، بل برأيي قد تنتج مشروع هدم له، والحال كذلك بالنسبة للحكومة التي تتسابق يوميا على إصدار أكبر قدر من التشريعات الضيقة والمخالفة للحريات، والتي تهدم بشكل أو بآخر المبادئ العامة بالدستور التي تكفل للمواطن والمقيم الحقوق والحريات العامة، وآخر تلك النماذج الرجعية التي قدمتها الحكومة وسحبتها هو قانون الإعلام الموحد، بينما اليوم لو مكنت الحكومة من تقديم مشروع لتعديل الدستور بما تملكه من أغلبيات في المجالس المتعاقبة فماذا سيكون التعديل الذي ستأتي به وما الإضافات التي ستضيفها بالدستور؟ والتي أجزم بأنها ستنتهي بالدستور إلى أدنى ضماناته لاعتقادها بأنه هو المسبب اليوم لتراجع تنمية البلد وتأخره!

سوء الحال برأيي الذي يشتكي منه كثيرون هو بسبب ممارسة اللاعبين، سواء من الحكومة أو من مجلس الأمة، ولا علاقة بالدستور بها، فالدستور وضع من الحقوق والضمانات والمبادئ العامة، وترك للمشرع العادي تنظيم الكثير منها، وأعطى للقضاء أحقية الرقابة على حسن تطبيق مواده، وعدم إصدار تشريعات معارضة لتلك المبادئ الدستورية، وبالتالي فإن سوء أداء السلطات العامة أو قصورها في البلاد لا يبرر تعديل الدستور أو المجيء بدستور جديد، بل بتطوير تلك المؤسسات التنفيذية والرقابية وإصلاحها وبإزالة كل ما يشوبها من ضعف وتراجع!

أكثر من 50 عاما والصراع السياسي في الكويت سببه المطالبة بتفعيل الأدوات الرقابية التي كفلها الدستور للنائب، فحاولت الحكومة وأد تلك الأدوات بشتى الطرق، لكنها مازالت باقية فتتبعت جملة من الأساليب الأخرى لتفريغها من محتواها الحقيقي ومع ذلك ستظل باقية، وأيضا لأكثر من 50 عاما حاولت الحكومة إلغاء حق المواطن في حرياته بالاجتماع العام والتعبير عن رأيه، لكنها حريات مازالت باقية بفضل ما نص عليه الدستور، وبتأكيد أحكام القضاء على كونها محرمات، وبالتالي فالعلة ليست بالدستور بل في من ينقض على نصوصه، فالأولى أن نحافظ عليه كما هو قبل أن نتحسر على أيامه!