رغم حسم المحكمة الدستورية أمر الطعن المقام على نص المادة 25 من قانون أمن الدولة، الذي انتهت فيه المحكمة إلى القضاء بسلامتها في سبيل الرد على المطاعن التي وجهت للنص بشأن شبهة مخالفته لمبدأ شرعية العقوبات المنصوص عليه بالدستور ولنص المادة 36 من الدستور، إلا أن لحكم المحكمة الدستورية برأيي قراءة قانونية أخرى ترسم طريق المحاكم في التعاطي مع المتهمين بقضايا الإساءة للذات الأميرية.

Ad

وقد انتهى الحكم القضائي إلى رسم اعتبار قانوني وحماية جنائية لسمو الأمير تستلزم قدرا من الإحاطة بتلك الشخصية من القضاء وحتى من الأفراد، متهمين كانوا أو عاديين كمجني عليهم في قضايا السب، كما أسهب الحكم في تحديد معاني الاحترام والتوقير تجاه تلك الشخصية التي تحظى بالهيبة والاعتبار، فشدد على ضرورة توقيرها واحترامها إكبارا وإعظاما لها كشخصية تمثل الدولة، فرفض التعريض اللغوي عنها ورفض استخدام أية عبارات تقلل من الهيبة أو حتى تؤذي الشعور لدى الغير من سماعها، وهو بذلك رسم للقضاء مساحة الحماية الجنائية لشخص سمو الأمير، وأشار إلى إمكانية توسع المحاكم الجنائية في محاسبة المتهمين مطلقي العبارات أو كاتبيها إن كانت تتضمن مساسا بشخص الأمير أو صلاحياته سواء كانت تتضمن تقليلا بالاحترام والتقدير أو الهيبة أو تؤذي الشعور لدى الغير أو تتضمن تعريضا لغويا وليس تصريحا فقط سواء كانت تلك العبارات لشخص الأمير أو صلاحياته، وبذلك يكون الحكم القضائي قد استثنى سمو الامير من الحماية الجنائية العادية الممنوحة لرجل الشخص العادي إلى حماية جنائية أكبر يتمتع هو فيها لوحده بحكم منصبه.

من جانب آخر نقل الحكم مجموعة من الرسائل الجنائية للمتهمين أو المخاطبين بنص المادة 25 من قانون أمن الدولة والتي تجرم المساس بالامير ليؤكد لها أن مساحة التجريم قد أخذت حيزا أكبر من الوضوح مما قد يسمح للمحاكم بالتوسع في محاسبة المتهمين عن العبارات التي تتضمن تعريضا بشخص سمو الأمير أي التعرض غير المباشر، ومثل هذه المحاسبة ستكون مسموحة للمحاكم استخدامها دون معقب عليها من محكمة التمييز على اعتبار أن أحكام المحكمة الدستورية نهائية وتعد أحكامها حجة لكافة المحاكم ومن بينها محكمة التمييز.

ليس ذلك فحسب ما أورده حكم الدستورية بل ان الحكم وجد الطعن فرصة لإزالة اللبس والغموض الذي كان يعتري المادة 25 من قانون أمن الدولة فأخذ على عاتقه أمر تفسيرها وبيان المقاصد التشريعية منها رغم أنه قد يؤخذ على الحكم قيامه بتفسير نصوص القانون وهو ما لا يسمح له قانون إنشاء المحكمة الدستورية لها القيام به، إلا أن المحكمة قد أوردت بعدد من سوابقها إمكانية قيامها وأثناء تصديها للطعن بعدم دستورية التشريع أن تتصدى لمقاصده وبيانه وصولا إلى الحكم بدستوريته أو عدم دستوريته إلا أن ذلك لا يكون إلا تفسيرا مرتبطا بالنص الدستوري المعني بمخالفته أو عدم مخالفته.

وقد بين الحكم المقصود بجرائم المساس بذات الأمير أو العيب على صلاحياته أو الطعن بمسند الإمارة وبيان المقصود بأي من تلك الجرائم مسهلا للمحاكم الجزائية وهي في تصديها للدعاوى الجزائية ذات الصلة بالمادة 25 من قانون أمن الدولة إسباغ الافعال المنسوبة إلى أي منها دون لبس أو غموض.