أكد حكم قضائي بارز مؤيد من محكمة الاستئناف عدم أحقية المواطنين في معرفة بيان احتياطي الأجيال القادمة عن طريق القضاء، لان الدستور رسم مطالبتهم بمعرفة البيانات المالية الشاملة عن الدولة من خلال أعضاء مجلس الأمة الذين لهم الحق في معرفة كل البيانات المالية الخاصة بالدولة، ومن بينها احتياطات الاجيال القادمة.

Ad

وأوضح الحكم القضائي، الذي حصلت «الجريدة» على نسخة منه، أن «الدستور نص في المادة 108 على أن عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها، علاوة على أن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تلزم الحكومة بتقديم ميزانياتها قبل انقضاء السنة المالية بشهرين على الأقل، لفحصها والاطلاع على بنودها وتوزيعها على المجلس لمناقشتها».

وكانت محكمة الاستئناف أيدت الاربعاء الماضي حكم محكمة أول درجة، الذي انتهى إلى الحكم بعدم اختصاص المحاكم الكويتية ولائيا في نظر الدعوى القضائية المقامة من المحامي شاهين الشاهين ومواطنين آخرين متدخلين معه في الدعوى ضد رئيس الوزراء ووزير المالية والهيئة العامة للاستثمار ورئيس ديوان المحاسبة، لبيان حساب الأجيال القادمة، لأن الطلبات المقامة أمام المحكمة تعتبر من قبيل الأعمال السيادية التي لا يجوز للقضاء نظرها.

سياسات مالية

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن «مناقشة حساب الاجيال القادمة هو من الأعمال التي تعتبر من قبيل أعمال السيادة، والتي تخرج عن ولاية القضاء بحثها، فضلا عن أن المشرع أعطى لمجلس الأمة بحث السياسات المالية العامة في الدولة، عبر طلب يقدم من خمسة نواب، وأن النواب هم من ينوبون عن الأمة في مناقشة ما يهمهم من قضايا، كونهم يمثلون الأمة بأسرها».

وأضافت: «وبشأن الدفع المقام من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى فإنه سديد، وآية ذلك أن المادة 108 من الدستور الكويتي قد جرى نصها على أن عضو مجلس الأمة يمثل الامة بأسرها ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لاي هيئة عليه في المجلس أو لجانه، والنص في المادة 112 على أنه يجوز بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء طرح موضوع عام على مجلس الأمة للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة بشأن تبادل الرأي بصدده، ولسائر الاعضاء حق الاشتراك بمناقشة، وفق المادة 101، كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته».

وتابعت: «ان نصوص المواد 121 و159 و160 و171 من القانون رقم 12 لسنة 1963 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة جرت على أن لكل عضو أن يوجه لرئيس مجلس الوزراء والوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصاتهم، بما في ذلك الاستفهام عن أمر يجهله العضو والتحقق من حصول واقعة وصل علمها اليه».

إيرادات الدولة

وقالت المحكمة ان «الدولة تعد مشروع الميزانية السنوية الشاملة لايرادات الدولة ومصروفاتها، وتقدمه الى مجلس الامة قبل انتهاء السنة المالية بشهرين على الاقل، لفحصها وإقرارها، وأن يحيل الرئيس مشروع قانون الميزانية الى لجنة الشؤون المالية والاقتصادية فور تقديمه للمجلس، ويخطر المجلس بذلك في أول جلسة تالية، وأن يلحق بمجلس الامة ديوان المراقبة المالية المنصوص عليه بالمادة 151 من الدستور، ويعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل ايرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية، ويقدم الديوان لكل من الحكومة والمجلس تقريرا سنويا عن أعماله».

وبينت ان «المقرر في قضاء محكمة التمييز أن المشرع إذ لم يورد تعريفا أو تحديدا لاعمال السيادة التي نص في المادة الثانية من القانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء على منع المحاكم من نظرها فإنه يكون قد ترك أمر تحديدها للقضاء اكتفاء بإعلان مبدأ وجودها، ومن ثم تكون المحاكم مختصة بتقرير الوصف القانوني للعمل الصادر من الحكومة، وما إذا كان يعد من اعمال السيادة، وحينئذ لا يكون لها أي اختصاص بالنظر فيه».

وزادت ان من المقرر في محكمة التمييز ايضا ان «محكمة الموضوع تخضع في تكييفها هذا لرقابة محكمة التمييز، وأنه ولئن كان يتعذر وضع تعريف جامع مانع لاعمال السيادة أو حصر دقيق لها إلا أن ثمة عناصر تميزها عن الاعمال الادارية العادية، أهمها تلك الصبغة السياسية البارزة فيها لما يحيطها من اعتبارات سياسية تصدر من الحكومة بوصفها سلطة حكم وليس بوصفها سلطة إدارة فينعقد لها في نطاق وظيفتها السياسية سلطة عليا في اتخاذ ما ترى فيه صلاحا للوطن وأمنه وسلامته دون تعقيب من القضاء أو بسط الرقابة عليها منه».

طلبات المدعي

واردفت المحكمة أنه «لما كانت طلبات المدعي وطالبي التدخل في الدعوى هي الحكم بندب إدارة الخبراء بوزارة العدل لتنتدب بدورها لجنة ثلاثية للانتقال الى مقر المدعى عليهم لبيان رصيد احتياطي الاجيال القادمة منذ تاريخ صدور المرسوم بقانون 106 لسنة 1976 حتى تاريخه، وبيان اوجه الاستثمار والعوائد واوجه الصرف وسندها وسببها ومقدارها، وما آلت اليه وحالتها وبيان نصيبه كمواطن كويتي وابنائه منها، ومكان وجودها والقيم عليها، وبيان مقدار قيمة 50% من رصيد الاحتياطي العام للدولة الموجود في السنة المالية 76 لسنة 1977».

وذكرت: «ولما كانت تلك الطلبات بحسب مرماها انما تنطوي على عمل من اعمال السيادة للدولة والمتعلقة بمواردها المختلفة واوجه وبنود الانفاق لشك الموارد، وما يستقطع منها في صورة احتياطي للاجيال القادمة، وقد اناط الدستور الكويتي في مواده آنفة البيان بأعضاء مجلس الامة الممثلين لكل اطياف المجتمع وشرائحه المختلفة مسؤولية مناقشة تلك الامور المالية ومصارفها وبنودها ومتابعة سياسة الحكومة في شأنها وتبادل الرأي بصددها، فضلا عن اللائحة الداخلية لمجلس الامة، قد اوجبت على الدولة اعداد مشروع الميزانية السنوية الشاملة لايراداتها ومصروفاتها وتقديمه الى مجلس الامة قبل انتهاء السنة المالية بشهرين على الاقل لفحصها واقرارها، ومن ثم لا يسع للمدعي والمتداخلين اقامة هذه الدعوى بطلباتهم سالفة البيان بحسبان ان دستور دولة الكويت وقوانينها قد نظمت الاجراءات الواجبة بشأن ما سلف، وهو ما تضمنته تلك الطلبات، الامر الذي تطمئن معه المحكمة، ومن جماع ما تقدم، إلى ان ولاية المحاكم تنحسر عن بسط رقابتها على اعمال الحكومة السيادية سالفة البيان، وهو ما لازمه القضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى».