قال الرئيس باراك أوباما ان تفاقم مشكلة عدم المساواة في الدخل، ونقص الحراك الاقتصادي، يمثلان «أهم التحديات في عصرنا». لذلك يسعى الرئيس الأميركي إلى رفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة مساعدات البطالة، وضمان حصول الموظفين على أجر مقابل العمل الإضافي. وقد تنتج هذه التدابير شيئاً من التحسّن، لكنها في رأيي لا تكاد تلامس أصل المشكلة، بل أعتقد أن زيادة مقدار إعفاء ضريبة الدخل المكتسب قد يكون النهج الأفضل.

Ad

من المرجح أن تتعاظم مشكلة عدم المساواة وتتحول إلى قضية سياسية مهمة، إذ أظهر استطلاع أجرته وكالة «بيو للأبحاث» في يناير الماضي أن 65 في المئة من المشاركين يعتقدون أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد تعاظمت خلال العقد الماضي. وكشف استطلاع للرأي أجرته شبكة «سي إن إن» في فبراير أن ما يقرب من 70 في المئة من الأميركيين يعتقدون أنّ على الحكومة بذل المزيد من الجهود لتضييق الفجوة، ورأى 60 في المئة منهم ضرورة زيادة الضرائب التي يدفعها الأغنياء لمواجهة مشكلات الفقر، كما يعتقد أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع أن الأغنياء يحصلون على مزايا خاصة لا تتوافر لعامة الشعب، بينما يعتقد حوالي نصف المشاركين أنّ الفقر يرجع أساساً إلى ظروف خارجة عن إرادة الفقير.

ويعترف عمدة نيويورك السابق مايك بلومبرغ بمشكلة الفقر، لكنه يشير إلى أن معظم الفقراء في الولايات المتحدة يعيشون في مساكن فيها حمامات وأجهزة تلفزيون وثلاجات، ويملكون هواتف نقالة أيضاً. وهذه ظروفٌ أفضل بمراحل مما يعانيه الفقراء في كثير من البلدان الأخرى. وقد ورد الكثير من هذه البيانات في مقال رأي للكاتب تشارلز بلو في صحيفة نيويورك تايمز.

ويتحدث كل الزعماء السياسيين تقريباً عن خططهم للتعامل مع مشكلة عدم المساواة، وجميعهم متفقون على أن التعليم الجيد من أهم عوامل النجاح. كان جورج بوش الابن يرفع شعار «لن يُترك أي طفل دون تعليم»، بينما يرغب عمدة نيويورك الجديد بيل دي بلاسيو بتوسيع التعليم إلى ما قبل مرحلة الروضة في المدارس العامة.

تُجري منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) كل ثلاث سنوات دراسة لتقييم مستويات الطلاب تشمل 510,000 يافع بعمر 15 سنة في 65 بلداً حول العالم. أُجري الاستطلاع الأخير في عام 2012، حيث تم اختبار 5,000 طالب في الولايات المتحدة. وقد حلت الولايات المتحدة في المرتبة 17 في القراءة، والمرتبة 21 في العلوم، والمرتبة 26 في الرياضيات، من بين الدول الـ34 الأعضاء في المنظمة.

وربما يقدم تعليق برنامج التقييم الدولي للطلاب (PISA) على النتائج بعض الإضاءات والأفكار المفيدة: «يعاني الطلاب في الولايات المتحدة من ضعفٍ يتجلى بشكل خاص في أداء العمليات الرياضية التي تتطلب قدرات معرفية أعلى، مثل ترجمة حالات من العالم الواقعي إلى مصطلحات رياضية، وكذلك تفسير الجوانب الرياضية لمشاكل في العالم الواقعي».

من ناحية أخرى، أجرى «مركز التقدم الأميركي» دراسة أظهرت أنه للمرة الأولى في التاريخ، سيكون الجيل الحالي أقل تعليماً من جيل آبائهم. وتُعتبر هذه النتائج مقلقة بشكل خاص نظراً لإنفاق الولايات المتحدة الضخم على التعليم، إذ توجد أربع دول فقط هي النمسا ولوكسمبورغ والنرويج وسويسرا تتفوق على الولايات المتحدة من حيث معدل الإنفاق على التعليم لكل طالب.

ولا تساعد العوامل الأخرى في تفسير ضعف أداء الطلبة في الولايات المتحدة. فالأهل في أميركا أفضل تعليماً من معظم البلدان الأخرى، وهم يحتلون المرتبة السادسة في هذا المعيار. وتقارب نسبة الطلاب من خلفيات فقيرة متوسط دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ورغم وجود نسبة أعلى نسبياً من المهاجرين (تأتي الولايات المتحدة في المرتبة السادسة)، لكنّ الأمر ذاته ينطبق على كندا التي نجد أداء الطلاب فيها أعلى من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتبين الدراسة أن الطلاب الذين يحصلون على التعليم المبكر قبل المرحلة الابتدائية يُظهرون أداءً أفضل من غيرهم في سنّ الخامسة عشرة.

تُظهر بيانات عدم المساواة تغيراً كبيراً عما كانت عليه الحال في عام 1980. وأعتقد أنه من غير المفيد مهاجمة الأغنياء بشكل مستمر كما لو أنهم بنوا ثرواتهم عبر الاستغلال المتعمد للآخرين. فمعظم الأغنياء ضمن العُشر الأكثر ثراء من الشعب الأميركي درسوا بجد في المدرسة، وحصلوا على تعليم جيد، وعملوا لنحو 10 آلاف ساعة على تطوير مهاراتهم، واستفادوا من النمو الذي شهدته أميركا بعد ركود 1980-1982. ولا شك أنّ حسن الحظ لعب أيضاً دوراً في حياة كل منهم. لكن النظام الرأسمالي يكافئ عادة المشاريع الشجاعة في تحمل المخاطر وريادة الأعمال والابتكار.

المشاريع التي تتسم بهذه الصفات تعزز النمو الاقتصادي وتزيد فرص العمل، وغالباً ما يجد رواد المشاريع الناجحة مكافأة مجزية بعكس أصحاب المشاريع الفاشلة. ولا شك أنّ أسس الريادة الاقتصادية للولايات المتحدة تكمن في الإبداع والابتكار، وأنّ العائدات المالية هي من أهم عناصر التحفيز.

وعلى الرغم من أن هوامش الربح هي في أعلى مستوياتها اليوم وأن متوسط دخل الأسرة بقي ثابتاً خلال هذا الانتعاش، لكنني أعتقد أن ذلك من نتائج العولمة والتكنولوجيا الحديثة، أكثر من أي عوامل أخرى.

الصعوبة الحقيقية التي نواجهها هي تحسين مستوى حياة الناس الذين يقبعون في أدنى درجات سلم الدخل. عندما دخلت روسيا والصين والهند الاقتصاد العالمي، بعد التخلي عن العديد من الجوانب التجارية للشيوعية (روسيا والصين) والابتعاد عن الانعزالية (الهند)، فازت الأسواق العالمية بثلاثة مليارات زبون جديد، كما قال توم فريدمان، لكنها واجهت أيضاً ثلاثة مليارات منافس جديد، ومنهم منافسون يستطيعون تقديم منتجات عالية الجودة بتكلفة منخفضة.

ساهمت تلك الظاهرة في الحد من التضخم، لكنها تسببت في إلغاء الكثير من الوظائف في البلدان التي ترتفع فيها تكلفة العمالة، مثل الولايات المتحدة. وكان للتطور التقني أيضاً أثرٌ مهم في حجم القوى العاملة ونوعيتها، حيث لجأت الشركات إلى الاستثمار في أجهزة ومعدات حديثة لإنتاج السلع وتقديم الخدمات بأقل عددٍ ممكن من العمال.

وكان تأثير هذه العوامل كبيراً على الطبقة المتوسطة من الموظفين في قطاع التصنيع والخدمات. وأعتقد أن هذا التغيير البنيوي في الاقتصاد سيكون على الأرجح دائماً، فلا يمكن إعادة الوضع إلى سابق عهده.

حدث تغير آخر منذ عام 1980 ربما كان له دور أكبر في تفاقم مشكلة عدم المساواة. فوفقاً لبيانات التعداد السكاني، زادت نسبة ولادات النساء غير المتزوجات من 18 في المئة في عام 1980 إلى 41 في المئة في عام 2012، وهذه زيادة كبيرة ولافتة.

وإذا افترضنا أن الأسرة الطبيعية التي تضم والدين أقدر على توفير بيئة أفضل لنمو الطفل وتعليمه، فقد يكون لهذا التغيير أثرٌ كبير على مشكلة عدم المساواة. يُرجع كثيرون تلك النسبة إلى حالات الحمل في سن المراهقة، لكن ولادات المراهقات تمثل 17 نقطة مئوية فقط من نسبة الـ41 في المئة المذكورة. ولا شك أن غياب أحد الأبوين يضع مُعيل الأسرة (أو معيلتها) أمام تحديات كبيرة، إذ يتوجب عليه في الوقت ذاته كسب الرزق وإدارة شؤون المنزل وتنشئة طفل أو أكثر.

كتب آرثر بروكس من معهد أميركان إنتربرايز مقالاً عميقاً يستكشف كثيراً من جوانب قضية عدم المساواة. وهو أيضاً يراها مشكلة اجتماعية، ويوصي بأن نحاول إعادة ترسيخ القيم الأساسية للدين والأسرة والمجتمع والعمل. وأنا أؤيد تلك التوصيات، لكنني أراها صعبة التنفيذ.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النمو الاقتصادي القادر على استحداث عددٍ أكبر من الوظائف ذات الأجور الأعلى سيكون مفيداً في معالجة المشكلة. وكذلك المزيد من التدريب المهني في مرحلة الدراسة الثانوية لإعداد الشباب للحياة العملية.

وأعتقد أن البرامج الحكومية الموجهة لتحسين البنية التحتية القادرة على استحداث الوظائف وبرامج إعادة التدريب أثناء العمل، ستعطي نتائج إيجابية، خصوصاً أن الولايات المتحدة أصبحت الآن قادرة على تحمل تكاليف مثل هذه البرامج بعد تخفيض العجز إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ختاماً، من المرجح أن يعاني أيّ برنامج لحل مشكلة عدم المساواة من التقلبات وعدم التوازن، وقد يستغرق وقتاً طويلاً لإحداث تغيير ملموس. لكننا نأمل، في ضوء التركيز الكبير على هذه القضية الآن، أن يتم اتخاذ خطوات حقيقية لإحداث التحول المنشود.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون