«شوشرة» بيت الحكم!
لم يكن ينقصنا "عافور" المشاكل السياسية التي باتت تقلق كل مواطن بغض النظر عن ميوله وتوجهاته حتى يقحم بيت الحكم في المساجلات اليومية، وتكون أسراره وخصوصياته على كل لسان، وتتصدر مواقع التواصل الاجتماعي التي يتعاطى معها الشباب والأطفال أكثر من الكبار.ما يجري تداوله خلال الأيام القليلة الماضية من أخبار مسربة أو تحليلات وتكهنات أو أمانٍ وتخيلات أو حتى "حركشات" سياسية أمر في منتهى الخطورة، ولعل الأخطر من ذلك الصمت الغريب على كل ما يقال حول مشاريع ترتيب بيت الحكم، والسيناريوهات التي يطرحها البعض نقلاً عن مصادر مقربة ومعلومات "جذورها في الماي"!
الأغلبية العظمى من الشعب الكويتي تقف على مسافة متقاربة من أبناء الأسرة، ولعل ما يميز البعض منهم علاقاته الاجتماعية وتواضعه وسمعته الشخصية، كما أن تقييم الشيوخ من أصحاب المناصب يتم من خلال أدائه وعمله، ولذلك فإن محاولة إقحام الناس بالمشاكل الداخلية أو حالة الاستقطاب والمنافسة حتى الصراع بين أبناء العمومة من شأنها أن تضيف انقسامات أفقية ورأسية كبيرة في النسيج الكويتي المختل أصلاً والممزق سياسياً واجتماعياً منذ عدة سنوات. كما أن تنزيل الخلافات بين أبناء الأسرة على الواقع السياسي ونشر الأخبار حولها، سواء كانت صحيحة أم كاذبة، قد تؤدي بقصد أو من دون قصد، وبحسن نية أو بسوء نية، إلى إضعاف هيبة ومكانة النظام كنتيجة حتمية، وقد يكون من الصعب جداً إنكار مثل هذه الخلافات بناء على المعطيات والأمثلة التي نعيشها اليوم، ولكنها لا تتعدى خلافات شخصية وطموحات فردية لمناصب ومراكز قد تتفاوت في حجمها ودرجاتها، وقد يكون للأقطاب المتنازعة تياراتهم السياسية وأقلامهم الصحافية وأبواقهم الإعلامية حتى مغردوهم، لضرب منافسيهم وتلميع أنفسهم في المقابل.ولم نسمع في تفاصيل هذه الأجواء المكهربة إعلامياً وفي الدواوين أو المنتديات رؤى واضحة ومعلنة حول القضايا الأساسية والمكتسبات الدستورية والموقف من أصل الديمقراطية ولا حتى أي أطروحات أو مشاريع لكويت المستقبل حتى نقول كشعب بأن هذه الاختلافات قد تكون صحية أو تحمل في طياتها إثراء حقيقياً في البعد السياسي، لذلك فإن التعاطي الشعبي مع هذا الملف وبالذات في هذه المرحلة الحساسة لا يسمن ولا يغني من جوع في أفضل الأحيان، كما أنه قد يزيد الأمور تعقيداً ويخلق بؤراً جديدة من "الشوشرة" التي نحن في غنى عنها أكثر من أي وقت سابق.نعم لا ننكر ضرورة ترتيب الكثير من البيوت ومنها بيت الحكم والأهم من ذلك البيت الكويتي وفق منظور حضاري يأخذ بعين الاعتبار حجم التحديات المستقبلية، ونوعية الجيل القادم، وعلى أرضية صلبة من الوحدة الوطنية، وسد الثغرات الكبيرة في البنية التشريعية التي تحمي مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص، وتصون حرمة الثروات الطبيعية والأموال العامة، فهذه الثغرات هي التي أفرزت شبكة تقاطع المصالح وتركتنا في حالة من الذهول والغضب أمام استباحة البلد وخيراته، وضياع هيبة القانون والقلق الكبير على المستقبل.هذه بعض ملامح أي خريطة نتمنى أن تكون الأسرة هي السباقة والمبادرة في احتضانها، وتعمل بكل شفافية مع المخلصين من أبناء الكويت على غرسها في وجدان وضمائر الناس حتى تكون هي مادة التفاعل الاجتماعي وليس القال والقيل ومؤامرات "تالي الليل"!