عشاق المرح في لولابالوزا، وهو مهرجان موسيقي شهير يعقد سنوياً في مدينة ساو باولو البرازيلية، كانوا على موعد مع وجبة طعام شهية، وبخلاف قوائم الطعام في السنوات الماضية التي اشتملت على الهامبورغر، كان في وسعهم هذا العام تناول اللحم وأضلاع الباربكيو أو الذرة على الفحم، وهي أصناف يقدمها مطعم "بوس بي بي كيو" التكساسي في المدينة. كان اللافت في هذا العام تلك الوتيرة السريعة التي يتم من خلالها تقديم الطعام، وتمكنت المنافذ خلال يومين من تقديم 12000 طلب ووجبة من الطعام، بما يوازي أكثر من وجبة كل 15 ثانية، بحسب مدير المطعم بلاك واتكنز. تلك الكفاءة كانت موضع ترحيب، كما أنها لم تكن مألوفة أو معتادة، فأكشاك الوجبات المجاورة كانت في حاجة إلى دقيقتين أو ثلاث دقائق لخدمة كل عميل، ما أفضى إلى طوابير طويلة وتذمر.

Ad

ويقول واتكنز الذي جاء إلى البرازيل قبل ثلاث سنوات بعد أن باع شركة للأطعمة السريعة في نيويورك "بمجرد وصولك إلى البرازيل تبدأ بإضاعة الوقت، وبغية التأكد من وجود 10 عمال مؤقتين على الأقل عمد إلى تشغيل 20 عاملاً وقد حضر نصفهم فقط إلى العمل، كما أن "لو بونوميتي"، التي فتحت متجراً لبيع الكعك المحلى في أحد أحياء ساو باولو الأنيقة، كلفت أربع شركات مختلفة لإصلاح لافتة المتجر ولم يحضر أحد.

الطوابير، واختناقات المرور، والمواعيد النهائية التي لا يتم الالتزام بها، وعوائق أخرى أصبحت شائعة منذ فترة طويلة داخل البرازيل بحيث "أصبح المواطن البرازيلي مخدراً إزاءها"، حسب وصف ريغز بونيلي من كلية فنداكاو فارغاس التجارية.

باستثناء فترة قصيرة من النشاط الاقتصادي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فقد هبط إنتاج العامل أو ظل دون تغيير طوال نصف القرن الماضي، بخلاف معظم الاقتصادات الناشئة الكبيرة الأخرى، وعامل الإنتاجية الإجمالي الذي يقيس كفاءة استخدام رأس المال وقوة العمل هو أدنى اليوم مما كان عليه في سنة 1960، حسبما يشير الشكل البياني.

وتشكل إنتاجية العمل 40 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي في البرازيل بين 1990 و2012 مقارنة مع 91 في المئة في الصين و67 في المئة في الهند، وذلك بحسب شركة "ماكنزي الاستشارية"، وتأتي البقية من التوسع في قوة العمل نتيجة المحسوبية الديموغرافية، والميل نحو البيروقراطية الرسمية، وهبوط معدلات البطالة. وسوف ينخفض هذا إلى 1 في المئة سنوياً خلال العقد المقبل، وفقاً للسيد بونيلي. وإذا كان للاقتصاد البرازيلي أن ينمو بوتيرة أسرع من وتيرته الحالية البالغة 2 في المئة أو ما يقاربها في السنة، فإن على البرازيليين أن يكونوا أكثر إنتاجية.

ويطرح خبراء الاقتصاد أسباباً مألوفة للأداء، وتستثمر البرازيل 2.2 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في أعمال البنية التحتية، أي أدنى كثيراً من متوسط الدول النامية البالغ 5.1 في المئة، ومن بين 278000 براءة اختراع منحتها الولايات المتحدة في السنة الماضية ذهب 254 فقط إلى مخترعين من البرازيل التي تمثل 3 في المئة من إنتاج العالم وسكانه، وقد ارتفع إنفاق البرازيل على التعليم كنصيب من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات العالم الغني، ولكن الجودة لم ترتفع في ظل وجود تلاميذ يعدون الأسوأ أداءً في الاختبارات، ويشتكي واتكنز من أن عمال الشواء الخاصين بالباربكيو لديه في سن الـ18 يتمتعون بمهارة الأميركيين في سن الرابعة عشرة.

ما لا يمكن ملاحظته هو أن العديد من الشركات البرازيلية غير منتجة بسبب سوء إدارتها، ويقول جون فان رينن من كلية لندن الاقتصادية إن أفضل الشركات البرازيلية على الرغم من أنها تتمتع بإدارة تضاهي كبريات الشركات الأميركية والأوروبية فإنها- مثل الصين والهند- تحفل بسجل طويل من ضعف الكفاءة. والعديد من الشركات البرازيلية تلجأ إلى توظيف الأقارب بدلاً من الغرباء الأكثر جدارة وذلك لتقليص خطر التعرض للسرقة أو التقاضي من قبل الموظفين بسبب مخالفة قوانين العمل.

حماية الدولة

وبدلاً من الانهيار تمضي الشركات الضعيفة بتثاقل بفضل الصور المتعددة من حماية الدولة لها، والتي تحصنها ضد المنافسة، كما أن الحماية تؤثر في الإنتاجية بطرق أخرى أيضاً، ويقول جوزيه شينكمان من جامعة كولومبيا إن التعرفة العالية على التقنية المستوردة تجعل الشركات تدفع قيمة أعلى لقاء منتجات محلية أدنى جودة بدلاً من شراء منتجات أرخص وأفضل من الخارج. يقول الباحث ماركوس ليسبوا في جامعة "إنسبير" إن التاريخ البرازيلي يقدم لنا حلولاً لتلك المسألة، مشيراً إلى أن فترة نمو الإنتاجية عرفتها البرازيل في الستينيات والتي أعقبت إصلاحات ليبرالية شهدتها البلاد في إطار ما يعرف بسياسة التصنيع الرامية إلى الاقتراب من الاكتفاء الذاتي، كما حدثت قفزة طفيفة في الإنتاجية في مطلع القرن الحادي والعشرين في أعقاب تبني معايير ليبرالية اقتصادية على مدار عقد من الزمن غير أنها لم تستمر بسبب تصاعد معدلات التضخم بصورة زائدة.

النجاح الذي تحقق رغم الحكم الشمولي لكل من الدكتاتورية العسكرية في الفترة من 1964- 1985، ولحزب العمال اليساري الذي سيطر على الحكم منذ عام 2003، سرعان ما تحول إلى نمط من أنماط تدخل الدولة، والذي يترجم في العادة إلى دعم الوقود والكهرباء وعدد من التدابير المعوقة، التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف الإنتاجية بوجه عام.

ويسلط الباحث ليسبوا على نماذج ناجحة للإنتاجية في الأعوام الأخيرة، مبينا أن قطاع الزراعة الذي جرى إعادة تأهيله في التسعينيات بالسماح له بتحقيق مكاسب مهمة في ضوء الوصول إلى الميكنة والآلات والأسمدة والمبيدات الأجنبية. وبعد سنوات قليلة تمتع قطاع الخدمات المالية بإصلاحات مؤسسية واسعة النطاق لتعزيز المعروض من الائتمان في الأسواق وتقوية أسواق رأس المال في البلاد. تمتع قطاعا الزراعة والخدمات المالية بحرية وقدرة على الحركة ساعدتهما على زيادة الكفاءة الإنتاجية على مدى السنوات اللاحقة، وبات منتجو فول الصويا البرازيليون محط إعجاب وحسد على مستوى العالم. ويثني واتكينز مدير المطعم بشدة على النظام المصرفي في البلاد معتبرا أنه من الأشياء التي تعمل بسرعة ونمو يتفوق على نظيره في الولايات المتحدة الأميركية.