إسقاط «حكومة سلام» سيضع «حزب الله» بمواجهة الشرعيتين اللبنانية والدولية

نشر في 04-01-2014 | 00:01
آخر تحديث 04-01-2014 | 00:01
تعتبر مصادر قيادية في «قوى 14 آذار» اللبنانية أن الحملة الإعلامية والسياسية التي يشنها حزب الله وحلفاؤه على الحكومة التي يتردد على نطاق واسع أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان ينوي إصدار مراسيم تشكيلها وفقا لاقتراح رئيس الحكومة المكلف تمام سلام في غضون الأيام القليلة المقبلة، ليست سوى حملة دعائية استباقية مسدودة الأفق العملي في محاولة جديدة لتخويف كل من سليمان وسلام ومنعهما من تشكيل حكومتهما بعد طول انتظار فاق التسعة أشهر.

وفي اعتقاد المصادر المذكورة أن حزب الله وحلفاءه يدركون تماما أن الظروف الإقليمية والدولية التي استجدت خلال الأشهر القليلة الماضية لا تسمح لـ«قوى 8 آذار» بأي تحركات انقلابية على غرار ما حصل في 7 أيار (مايو) 2008 لاسيما في ظل وضع المجتمع الدولي النوايا الإيرانية تحت «الرقابة» الصارمة على مدى الأشهر الستة المقبلة التي تشهد محاولات لإبرام اتفاق نهائي يعيد إيران الى أحضان الشرعية الدولية.

وفي حين ترى المصادر القيادية في «قوى 14 آذار» أن الكلام المنسوب الى نواب في التيار الوطني الحر برئاسة النائب ميشال عون، والى رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن أن قوى 8 آذار لن تلجأ الى الشارع لإسقاط الحكومة المنوي تشكيلها، ولا الى الامتناع عن تسليم الوزارات الى الوزراء الجدد، بل ستعمد الى إسقاطها بحجب الثقة عنها في مجلس النواب، دليل على رسائل واضحة تلقتها «قوى 8 آذار» بوجوب «ضبط النفس» وعدم الرد بانفعال على ما سيقدم عليه الرئيسان ميشال سليمان وتمام سلام، فإن جهات مراقبة لا تستبعد أن يكون هذا الكلام بمثابة فخ ينصبه حزب الله لاستدراج سليمان وسلام الى مواجهة ميدانية يرى حزب الله أنه قادر على فرض شروطه السياسية من خلال نتائجها.

وبحسب القراءة السياسية لـ«14 آذار»، فإن حزب الله وحلفاءه يصطدمون بواقع ان المواجهة التي يهددون بها ليست هذه المرة مع «14 آذار»، بل مع السلطات الدستورية اللبنانية، الممثلة برئيس الجمهورية الذي يحظى بتأييد عربي ودولي شامل، ورئيس الحكومة المكلف دستوريا بموجب استشارات نيابية ملزمة شارك فيها حزب الله وحلفاؤه في «8 آذار»، وبالتالي فإن أي تحرك أمني وعسكري ميداني على الأرض في مواجهة الحكومة المنوي تشكيلها لن يكون في رأي المجتمعين العربي والدولي مواجهة بين فئتين لبنانيتين تتنازعان على السلطة، تتطلب وساطة ما لتقريب وجهات النظر بينهما وصولا الى تسوية سياسية، وإنما محاولة انقلابية على الدستور والمؤسسات الشرعية يقوم بها حزب الله على حكومة لا تضم في صفوفها «قوى 14 آذار»، وإنما هي نتاج الصلاحيات الدستورية الواضحة لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.

وتستغرب المصادر القيادية في «قوى 14 آذار» الغيرة المستجدة لحزب الله وحلفائه على «حكومة الوحدة الوطنية»، وعلى التمسك بـ»الشراكة الوطنية» وعلى رفض «عزل أي من مكونات المجتمع اللبناني»، مشيرة الى أن حزب الله هو الذي تمادى منذ عام 2005 بالقيام بما يتهم خصومه به زورا اليوم... وتعدد المصادر في هذا الإطار الوقائع الآتية:

1 - في عام 2005، أصرت «قوى 14 آذار» عشية الانتخابات النيابية على أن يكون حزب الله شريكا كاملا في الاىستفادة من نتائج تحرير لبنان من الاحتلال العسكري السوري، فكان الاتفاق الرباعي بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي ومسيحيي 14 آذار والثنائي الشيعي أمل وحزب الله، في وقت غدر حزب الله بتحالفاته وساند العماد ميشال عون من تحت الطاولة في زحلة وجبيل لإضعاف «14 آذار».

2 - في عام 2006 وعلى الرغم من أن «قوى 14 آذار» أكثرية دستورية، فقد قبلت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحوار الذي استخدمه حزب الله غطاء مرحليا قبل في خلاله شكلا بالمحكمة الدولية ونزع السلاح غير الشرعي من المخيمات الفلسطينية، ليعود وينقلب على الحوار بحرب تموز 2006 للهروب من مواجهة بند سلاحه غير الشرعي.

3 - بعد حرب تموز 2006 انقلب حزب الله على كل الاتفاقات التي تم التوصل إليها من خلال طاولة الحوار، فتفرد برفض قيام المحكمة الدولية، وانسحب من الحكومة، واحتل وسط بيروت وصولا الى «انقلاب 7 أيار» 2008. ومع ذلك قبلت «14 آذار» تسوية الدوحة ودخلت في شراكة جديدة مع الحزب و»8 آذار»، فانتخب العماد ميشال سليمان بالتوافق رئيسا للجمهورية على الرغم من أن قوى 14 آذار كانت تمتلك الأكثرية النيابية التي عطلتها «8 آذار» بتعطيلها جلسات انتخاب رئيس للجمهورية.

4 - انتهت الانتخابات النيابية في عام 2003 بفوز جديد حققته «قوى 14 آذار»، ومع ذلك رفعت هذه القوى شعار حكومة الوحدة الوطنية. وشكل الرئيس سعد الحريري حكومة أعطى فيها حزب الله «الثلث المعطل» مقنعا بالوزير الملك عدنان السيد حسين. لكن حزب الله رد بعد نحو من سنة على تشكيل الحكومة بإسقاطها باستقالة أكثر من ثلث أعضائها منقلبا بذلك على اتفاق الدوحة الذي يمنع تعطيل الحكومة وإسقاطها من خلال «الثلث المعطل».

5 - دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان في يناير 2012 الى استشارات نيابية ملزمة لاختيار رئيس جديد للحكومة وفقا للدستور. ولما تبين لحزب الله أن الاستشارات ستفضي الى إعادة تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، استفاد من قرار رئيس الجمهورية ميشال سليمان تأجيل الاستشارات بضعة أيام من أجل التوصل الى تسمية رئيس توافقي للحكومة، ونشر مئات من عناصره باللباس الأسود في شوارع بيروت وتخوم الجبل في رسالة التقطها النائب وليد جنبلاط بسرعة فقرر السير باختيار الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة جديدة خلافا لرأي الأكثرية السنية الساحقة، عازلا بذلك تيار المستقبل، و»قوى 14 آذار» ومتسببا في نفي الرئيس سعد الحريري الى خارج لبنان.

6 - تولت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السلطة على مدى نحو من سنتين، فتفردت قوى 8 آذار بالسلطة من خلال شراكة ظاهرية وشكلية مع التحالف «الوسطي» الذي شكله الثلاثي سليمان – ميقاتي – جنبلاط والذي على الرغم منه بقيت «8 آذار» ممسكة عمليا بأكثر من ثلثي أعضاء الحكومة مانعة رئيس الحكومة وحلفاءه من القيام بأبسط التعيينات الروتينية.

7 - اتخذت الحكومة التي شكلها حزب الله بالقوة، قرارا واضحا بالنأي بالنفس عن المعارك العسكرية في سورية، لكن الحزب دخل بكل قوته العسكرية في هذه المعارك معرضا لبنان أرضا ومصداقية لكل أنواع المخاطر الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية. وفي محاولة للحد من هذه المخاطر دعا رئيس الجمهورية هيئة الحوار الوطني الى الانعقاد وعرض عليها «إعلان بعبدا» الذي أعده بنفسه متضمنا تحييد لبنان عن الصراع في سورية وتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في خصوص الوضع في لبنان. وبعد مناقشة البيان ساعات، وافق عليه الحاضرون بالإجماع، وتم إبلاغ جامعة الدول العربية والأمم المتحدة به كوثيقة رسمية للدولة اللبنانية، ليعود حزب الله بعد ايام قليلة للانقلاب عليه والإعلان أنه غير موجود.

وتختم المصادر القيادية في «14 آذار» في ضوء هذه القراءة الى تأكيد أنه لابد من خطوة سياسية جريئة تدفع حزب الله وحلفائه الى التخلي عن الكثير من الفوقية والاستكبار في التعاطي مع شركائهم اللبنانيين، والى الاقتناع بأن تضليل الرأي العام اللبناني والعربي والدولي لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية، معتبرة أن المسألة لم تعد مجرد مسألة مواجهة سياسية داخلية بين «14 آذار» من جهة وحزب الله وحلفائه من جهة مقابلة، بل أصبحت مسألة مصير الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها الدستورية، ومسألة مواجهة بين الشرعيتين اللبنانية والدولية من جهة والخارجين عليهما من جهة مقابلة.

back to top