ومازلنا نحلم ونعيش ونقتات على عجين الأمل، سنة وراء سنة نطوي صفحاتها على أحلام تُنقل وتُرحل من عام الى آخر تهرول خلف الأمل، وهو حبل سرتها الخفي الذي يمدها بسراب من الممكنات التي لا تمنح نفسها بسهولة ما يمكن تحققه وتخيله.

Ad

ومازلنا نحلم حتى وإن لم تأتنا السنة بعود واحد متحقق من حزمة أمانينا، إلا أننا لا نقنط ولا نيأس من رحمة الله التي سترشنا بما نحلم ونأمل بمجيئه، حتى وإن رحلنا، ما دمنا ومازلنا نعيش وننفخ في وقيد الأمل الذي لا تخمد نار جمرته مادام في القلب دفقة تنبض، فإن آمالنا في كل رأس سنة سيعاد تدويرها وحرثها من جديد، لنقف على أعتاب السنة الجديدة بباقة الأماني التي لا ينحصر أملها في التحقق ولا ينطفئ رجاء مجيئها مهما طال وقت المجيء، ففي زمننا هذا الذي بات كلمح البصر يعبر خاطفا في مروق لا يتحقق من مروق شهابه العاجل حتى وان أمعن فيه تربص التحديق والنظر، فالسنة التي باتت تعبر أيامها بوميض خاطف بات من الصعب الإحساس بطولها وإدراك ثقل مرورها الفعلي على أيامها المعيشة، وبتنا لا نستطيع حساب ما عشناه بالفعل فيها، وهل حقيقية قد عشناه، وأدركنا نمونا فيه، وأننا عبرناه بمجمعنا وبإحساسنا كله؟

أو كأن السنة مرت وكأنها لم تمر بنا ولم تعبرنا؟!

كانت السنوات الماضية من طفولتي وصباي أشعر بطولها وثقل أيامها وامتداد لياليها وبتطوري وتغيري ونموي فيها وباختلافها أيضا عن ما قبلها، وكان الزمن يزحف ببطء بين الفصول، وكل إيقاع الحياة يعبر بسكينته وهدوئه، الذي في الغالب يكون تريثه هذا هو ما يمكن الناس من استيعاب إيقاعه وارتشاف أحداثه وهضمها على مهل، وليس كما هو حاصل الآن حيث بات الكل لا يشعر بثقل الوقت ونموه فيه، وكل من يعيشه يتعجب من سرعته الخاطفة والطاوية لكل ما فيه، اليوم لم يعد له مكان في الإنجاز، والأسبوع كأنه يوم والشهر بعمر الأسبوع والسنة تنطوي طي البرق حتى انها لا تمنحنا الزمن الكافي لنكبر فيها ولا لنتمتع بعيشها، فما الذي جعل الزمن يهرول بهذه السرعة الكاسحة الحادة؟

أظن الجواب يكمن في سرعة تدفق الانفتاح المعلوماتي الذي يدفق* في الدقيقة والثانية بكمية هائلة من المعلومات التي تتراكب بعضها فوق بعض بحيث لا تتيح مجالا لاستيعابها وارتشافها وفهمها على مهل، مما لا يترك للناس فترة استرخاء تشعرهم بتمدد الزمن واستطالته، كل الأحداث غازية سريعة ضاغطة الأيام في هرولتها وسرعة نزفها، مما ينعكس بالتالي على الناس بإيحاء الهرولة التي تضغط الزمن في طيات هرولتها، وتجعلهم لا يشعرون بمرور الوقت المضغوط في كبسة الأحداث التي تمنع استرخاءه والتمتع باستطالته.

وتساعد الأحداث المريعة الدامية المتتالية وتوترها العالي، وضغطها على مشاعر البشر وأحاسيسهم في قصر الزمن وانضغاطه عليهم، مما لا يمنحهم الفرصة في العيش بهدوء واجترار ساعات الوقت على مهل.

الزمن المضغوط هذا لم يعد يمنح الفرصة التي تمكن المرء من الإنجاز الذي يحلم ويخطط له وما يريد تحقيقه في سنة، بات يُنجز أو يرحل لأجندة السنة أو السنوات التي تليها.

ومع هذا الانضغاط في الوقت والزمن مازلنا نأمل ونحلم بأكبر إنجازاتنا سواء كانت على الصعيد الشخصي أو الصعيد الإنساني الكوني ومستوى كرتنا الأرضية المهددة بالدمار والزوال من شدة دمارنا لها.

مازلنا نأمل ونحلم بانتهاء أوجاع أمراض الربيع العربي وما خلفه من دمار هز أركان بلادنا العربية ودمر الإنسان فيها، وزرع الفتنة والإرهاب بين مواطنيها وقطع أوصالهم وهجرهم خارج أوطانهم.

مازلنا نأمل بعودة السلام والأمن الى سورية ولبنان والعراق وليبيا وتونس بحلول العام الجديد، وأن يمن الله عليهم بالنصر والاستقرار في بلادهم.

أما مصر فمنصورة بإذن الله مع قائدها السيسي العابر بها سنة السلام التي تعود بها إلى أمومة الدنيا وريادتها من جديد.

يحق لنا أن نأمل ونحلم وألا نتوقف عن حلمنا وأملنا مادام نبض الحياة ينبض فينا.