لم تكن جلسة مجلس الأمة الأخيرة، المخصصة للإسكان، إلا دليلاً جديداً على جريمة كبرى بحق أجيال من الشباب الكويتيين، لما اتسمت به من سطحية الأداء والقرار، وأسلوب تبرئة الذمة الذي وضح من انعدام نتائجها، لاسيما أن ما بُحث ونوقش فيها لا يخرج عن أسلوب عرض الأحلام المكرر عن المدن الجديدة، كما أن الثورة المنتظرة في طريقة معالجة القضية الإسكانية المزمنة منذ عقود من الزمن لم تر النور من الحكومة أو البرلمان في تلك الجلسة التي خلت حتى من إجراءات فورية لتخفيف آثار المشكلة.
في مقالتي التي سبقت تلك الجلسة توقعت أن تكون بهذا الأسلوب النمطي والسطحي لطرح الحكومة للقضية الإسكانية، من خلال عمل عرض يتولاه وزير الإسكان من على منصة قاعة المجلس، وخلفه جيش من المستشارين وطاقم من الموظفين، يتخلله شريط مصور على شاشة قاعة عبدالله السالم، وهو ما تم عشرات المرات من قبل دون نتائج، وطالبت في تلك المقالة من السادة النواب بأن يكون لهم تحرك فوري لتخفيف المعاناة عن الأسر الشبابية التي لا تجد سكناً بسبب الغلاء الفاحش لقيم الإيجارات، وذلك حتى تنجز الحكومة مشاريعها ومدنها الإسكانية الموعودة، دون اللجوء إلى زيادة بدل الإيجار النقدي لأنه سيفاقم المشكلة.طبعاً لم يتبن أحد من النواب أي تحرك في هذا السبيل، لأن موضوع الإيجارات وأسعار العقارات موضوع "مصالح x مصالح" كبير وشائك، ولا يمكن أن يمسه نائب دون أن تفتح في وجهه أبواب جهنم، ولا عزاء للشبان والشابات الذين يعانون وسيعانون، ولو توافرت في تلك الجلسة الشجاعة والنية لدى النواب لمساعدة الشباب فإن العلاج الفوري كان بسيطاً بتشريع مشابه لما فعلته عدة دول، مثل الإمارات وغيرها، يحدد سقف الإيجارات ووضع تصنيف للمناطق والمساحات ونسب الزيادة في الإيجارات السنوية التي تربط بنسب التضخم صعوداً وهبوطاً، وهو أمر يحدث في أكبر الدول الرأسمالية، فعندما وقعت الأزمة المالية العالمية الأخيرة وأصبح الآلاف يفقدون سكنهم تدخلت الولايات المتحدة ودول أوروبية بالتشريع لمواجهة مشكلة الإسكان، ولم ترفع شعار أن سوق السكن حر في العرض والطلب ودون ضوابط.وبالتأكيد فإن القرار الكارثي الذي أثر على القضية الإسكانية في الكويت، وسبب ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات بشكل جنوني هو القرار العبثي الخطير الذي صدر عن بلدية الكويت برفع نسب البناء في مناطق السكن الخاص، وهو ما جعل كل المستثمرين يتوجهون بقوة لشراء القسائم في السكن النموذجي، وبناء ما يشبه العمارات بنظام شقق للإيجار مضمونة الربح، وبدون حاجة إلى تكاليف حراسة وصيانة وتوفير مواقف للسيارات، كما هو معمول به في المناطق الاستثمارية، بما تسبب في تدمير مناطق السكن الخاص، وتحويلها إلى أداة استثمار في ظل غياب الأدوات الاستثمارية في البلد، والذي تسبب به قرار مجموعة من "الهوامير" بتدمير بورصة الكويت وشلها بسبب تجرؤ الكويتيين على صياغة قانون هيئة أسواق المال الذي يحقق الرقابة الفاعلة على المتداولين في البورصة، كما يحدث في كل أسواق المال في الدول المحترمة، إضافة إلى أن الكويت هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تحصل فيها الشركات المساهمة المدرجة في البورصة على المشاريع الحكومية المليارية الكبرى، وتكون دائماً من نصيب الشركات الخاصة والعائلية! مما يغلق منافذ الاستثمار في الكويت ويوجهها نحو العقار في السكن الخاص.عموماً، فإن جلسة قضية الإسكان التي تمثل الأولوية الأولى في استبيان مجلس الأمة خرجت بشكل مفجع يمثل جريمة مكتملة الأركان بحق الشباب الذين انتظروا أن تكون فيها بجانب المشاريع المستقبلية قرارات فورية بشأن ارتفاع قيم الإيجارات، عبر اقتراح تشريع نيابي عاجل لخفض الإيجارات والمراجعة الفورية لقرارات رفع نسب البناء في السكن الخاص، لكنهم صدموا بما تابعوه في الجلسة ونتائجها، وخرج شباب حملة "ناطر بيت" مقموعين، ومن خلفهم كل الأسر الكويتية التي تعاني الأزمة لتواجه آثارها منفردة ودون عون صادق وفوري ممن يفترض بهم أن يمثلوهم!
أخر كلام
جلسة «الإسكان»... جريمة في حق الشباب!
22-12-2013