تشير الكاتبة هبه بوخمسين إلى أن "قيمة الفرح تأتي بحجم الألم الذي نخوضه وصولا إلى غاياتنا، حتى نعلن احتفالنا بتحقيق إنجاز ما، كالارتباط بحبنا، والتبارك بمشاعر مقدسة كالأمومة... لم تأتِني أفراحي على جناح السهولة، بل عبرتْ إليَّ طرقاً معبدةً بالتضحيات والحب والإيمان بقلبي وبمن أحب، كارتباطي بسعد الياسري، صديقي وحبيبي وزوجي؛ الذي جاء بعد انتظارات مريرة، لتشرق بعدها حالة من استقرارنا معاً، وانطلاقة لرحلة عُمر نريدها حافلةً».

Ad

 وتستطرد بوخمسين في الحديث عن أمور عائلية أخرى، وتقول: «كذلك الأمر بالنسبة إلى ولدي ومعنى سعادتي «هاشم»، أنجبته بعدما مررنا معاً بتحديات كثيرة وليال طوال من الترقب المكلف، وضعتني كلها على محك قرار مصيري... اتخذته في لحظة ضغط صعبة».

 وعن تأثير هذه المشاعر الأسرية في نتاجها الأدبي، توضح: «لعل كل تلك الظروف والمشاعر والمواقف، تجعلنا أقرب إلى توظيف هكذا حالات في كتاباتنا، وإلى الإحساس بالآخر، بشكل أعمق. إنها «قوة» تعيننا على ابتكار شخوص واستثمار أحداث مرت علينا في هذه الرحلة، وتطويرها لاحقاً بما يخدم القيمة الجمالية. تجربة الأمومة، تلك التي أعيشها الآن، خلَّفتْ فيّ أعظم الأثر، وأنا أتمّ كتاباً يحكي تجربتي الشخصية التي لا أراها سهلة أو اعتيادية. سأكون كلي في هذا العمل، وبتجرد، ومعي حبيبي وأهلي وأحبتي... والكثير من الأحداث الحاسمة».

كتابات خاصة

تؤكد القاصة نورا بوغيث ضرورة الفصل بين شعورها النفسي وكتاباتها، وتشير إلى أن الإلهام والكتابة مرتبطان ببعضهما البعض، موضحة أن الكتابة تأتي لاحقاً عقب نضج الفكرة، وهنا يتدخل العامل النفسي أثناء الاسترسال في ترجمة الفكرة عبر نتاج أدبي، وتضيف:» لا أسمح للانفعال النفسي بالتدخل في كتابتي للفكرة، فأنا أحاول، قدر الإمكان، أن أكون موضوعية في طرحي لها حتى وإن لم أقتنع بها».

لا يعني ذلك، برأيها، انفصال الكاتب عن الأحداث المحيطة به، بالعكس، فأحياناً تكتب عن موضوع غير مقتنعه به، لأنها تفصل بين ما تكتبه عبر أعمالها وبين آرائها الشخصية، موضحة أنها تكتب باسم الشخصية ونظرتها المتسقة مع الحدث.

حول تأثير الحب في نتاجها الأدبي، تقول بوغيث: "ترجمة مشاعر الفرح الخاصة لا يمكن أن ترى النور، وان كتبتها تبقى حبيسة الأدراج، لأن كتاباتي ضمن هذه الحالة لا تخضع لمعايير، بل تأتي بشكل عفوي، لذا لا تهمّ القارئ، لأنها تركز على شأن خاص جداً يتمحور حول أفراد عائلتي أو الأصدقاء، ولا تحركني حالتي النفسية في الكتابة الجادة”.

في المقابل لا ترى ضيرا في نقل مشاعرها تجاه الوطن للقارئ، "لأننا نشترك جميعنا في هذا البلد. ما عدا ذلك ليس القارئ ملزماً أن يخضع لحالتي النفسية والنزول به إلى دركات الحزن، أو الصعود به على سلالم الفرح، تجاه موضوع لا يتحمل تلك المشاعر. الأكيد أن الموضوع يحمل مشاعر لكنها لا تتعدى أن تكون مشاعر شخصية”،

تورد بو غيث جانباً من تفاصيل أعمالها الأدبية، معتبرة أن "قصة "خدش” الأقرب إلى ما ذكر، من خلال إلهام الخدش فقط أثناء اللعب، وهي حادثة حصلت مع أختي وهي طفلة، كانت ترتدي أساور، وخلال اللعب علقت أساورها في شيء ما وخدش معصمها، ورغم الألم استمر قلبها متعلقاً باللعب، وكان الشعور حاضراً من خلال لعبنا نحن الأطفال في بيت الجدة، ومشاعر الارتباط بالبيت الكبير وذكرياته”.

استمرار الفرح

يعتبر القاص بسام المسلم أن ثمة تداخلا بين الحالة النفسية والنص، لافتاً إلى أن النص ينتج بمجمله عن حالة نفسية طارئة يمر بها. ربما ينطبق ذلك على الشعراء بشكل جليّ أكثر. «فالشعر وليد دفقة من المشاعر والإلهام، ويبدو لي من الصعب فصل شعور الشاعر عن نصه. أما بخصوص الكتابة السردية، قد يحتاج الكاتب أحياناً أن يضع مشاعره جانباً، لا سيما إذا أراد عرض قضيته المطروحة من أوجه عدة، أو إذا أراد أن يتقمص شخصية ما في نصه القصصي مثلاً، وهو ليس بالأمر السهل دائماً».

 ويضيف: «الحب والفرح هما شعوران إيجابيان. ربما الحب أكثر ديمومة من الفرح. الحزن والإحباط والغضب وغيرها من الحالات السلبية قد تصرف الكاتب «المزاجي» عن الكتابة، وكذلك الفرح كشعور طارئ. لكن في بعض الأوقات قد يتولد من تلك المشاعر ردة فعل يترجمها الكاتب إلى نص إبداعي. الأمر هنا يتعلق في كيفية تعامل الكاتب مع حالته المزاجية. فإما يستسلم لها فتصرفه عن الكتابة، أو يحوّلها إلى دافع للكتابة».

 ويسرد تفاصيل قصة مبيناً أنها كانت ردة فعل، «لا أستطيع أن أبت في ما إذا كان ثمة نص معين قد انعكس فيه حبي لأسرتي، القارئ والناقد هما الأقدر على تحليل النص وتحديد منشأه النفسي. لكن المثال الذي يلح عليّ يتعلق بنص كتبته بعنوان «جليب الضباع»، وكان ردة فعل على تجربة مريرة مرت بها إحدى ضحايا تجار البشر. فقد كنت أعرف الضحية وأتعاطف معها، وربما انتقمت لها من «جلاديها» عبر القصة التي فيها احتقار واضح لتجار الجسد، لكنه انتقام لا يتجاوز ما تتيحه الكتابة».