أهي أسماء جديدة من قبيل "فايزينكا"؟ "بابنيكوم"؟ "هولفارج"؟ يمثل العثور على اسم ملائم لعملية الاندماج بين ماركات معروفة أحد التحديات التي تواجه أنشطة الاستحواذ الضخمة. وهو التحدي الذي يدفع مصرفيي الاستثمارات إلى التفكير مليّاً بشأنه من جديد: وبعد سنوات من الفتور تعود اليوم حركة واسعة من عمليات الاندماج والاستحواذ الكبيرة لتتصدر مشهد الأعمال التجارية. يأمل المتفائلون أن يكون ذلك بمنزلة إشارة على شعور المديرين بالجرأة اللازمة لذلك مدفوعين بالتحسن في القدرات الاقتصادية العالمية، ويتساءل المشككون ما إذا كانت هذه الخطوة من جانب المديرين ترمي في حقيقة الأمر إلى إخفاء النقص المثير للقلق في فرص النمو الاقتصادي، أو أن ذلك مجرد خفض للنفقات من خلال عمليات دمج مع شركات في مناطق ذات أنظمة ضريبية أفضل.

Ad

طفرة أم لا؟

وأياً كان السبب وراء ذلك فإن المرء يأمل أن تتمكن "فايزر" وأسترازينيكا"، المتخصصتان في تصنيع الأدوية، و"هولسيم" و"لافارج"، شركتا أسمنت، و"ببليسيز" و"أومنيكوم"، شركتا إعلان، من الاتفاق على أسماء مشتركة إذا تحقق الدمج المقترح بينها. ومن بين الصفقات الكبيرة الأخرى يوجد العرض الذي تقدمت به كل من "جنرال إليكتريك" و"سيمنز" للاستحواذ على شركة "ألستوم"، الفرنسية الصناعية المنافسة، وقد أبرمت في هذه السنة 15 صفقة تساوي كل واحدة منها أكثر من 10 مليارات دولار- وهو أكبر عدد منذ المستوى القياسي لعمليات الاندماج والاستحواذ الذي تحقق في عام 2007. كما ارتفعت نسبة الصفقات الأصغر حجماً بحوالي 50 في المئة عن السنة الماضية، ولا تزال تلك العمليات مستمرة: في الأول من شهر مايو الجاري قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن شركة "إيه تيand تي" أجرت محادثات مع شركة "ديرك تي في" حول عرض محتمل تتجاوز قيمته الأربعين مليار دولار.

وعلى الرغم من ذلك لا يشعر حتى مصرفيو الاستثمارات، الذين يسيل لعابهم لفكرة الرسوم التي قد يحصلون عليها من خلال هذه العمليات، بأن هذه الطفرة هي الصفقة الحقيقية، وقبل سنة فسر العديد من المراقبين عملية شراء شركة "ديل" للحواسب الآلية، وشركة "هاينز" المتخصصة في تصنيع معجون الطماطم، على أنها بداية موجة جديدة من الصفقات التجارية، وظلت بقية فترة سنة 2013 عادية المستوى.

هناك أسباب عديدة تدفع إلى الاعتقاد بأن مد الاستحواذ الراهن سوف يستمر في التصاعد، وقد راكم مديرون العديد من العمليات المستترة والمكتومة خلال سنوات انهيار الائتمان العالمي ومن ثم أزمة منطقة اليورو، وهي الفترة التي جعلت من إبرام صفقات استحواذ عملية مستحيلة، وتوقف العديد من صفقات الدمج المقترحة لسنوات وذلك بعكس النشاط القوي الذي تم برعاية مصرفيين مندفعين في موجات الدمج والاستحواذ السابقة.

عوائد لا تذكر

رغم أن الشركات الأميركية هي الأكثر نشاطاً وتسهم في توليد كميات قياسية من المبالغ النقدية، فإنها تكافح من أجل بذل أي شيء له علاقة بإنتاجيتها، وبعد أن نفدت منها إمكانية ارضاء المساهمين من خلال إعادة شراء الأسهم، وبعد أن اكتشفت أن التوسع في الصين والهند ليس دواء شافياً لأوضاعها الداخلية القاتمة، تأمل تلك الشركات الآن أن تتمكن عمليات الدمج المقبولة من تحقيق الهدف المرجو.

لدى بعض الشركات الأميركية المتقدمة بعروض شراء واستحواذ كميات كبيرة من المبالغ النقدية في وحداتها وفروعها الخارجية التي لا تستطيع إعادتها إلى الديار من دون دفع ضرائب باهظة. وعلى سبيل المثال لدى "فايزر" 69 مليار دولار نقداً في الخارج، بحسب وكالة "بلومبيرغ" المتخصصة بتزويد المعلومات، وهو رقم يكفي في حد ذاته لجعل تلك الكتلة المالية واحدة من أكبر 50 شركة أوروبية، ويعتبر شراء شركة منافسة في دولة أخرى وسيلة لاستخدام تلك الأموال.

وتبدو الحصيلة الراهنة من الاتفاقات والصفقات أكبر حجماً لأن ارتفاع أسواق الأسهم أفضى إلى تضخم أسعار الأسهم بالنسبة إلى الشركات المقدمة للعروض والمستهدفة في آن واحد، وكما كانت الحال إبان وفرة عمليات الاستحواذ وضخامتها في حقبة الـ2000، فإن الأموال الناجمة عن أنشطة المستثمرين المتعطشين لتحقيق الأرباح باتت متاحة بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في الاستحواذ على شركات منافسة، لكنهم لم يتمكنوا حتى الآن من استخدامها على نطاق واسع.

ففي عام 2006 دفعت نسبة تصل إلى ثلثي عدد شركات الاستحواذ قيمة الشركات المستهدفة عن طريق مبالغ نقدية مقترضة إلى حد كبير، وفي هذه المرة تعرض شركات عديدة، حتى تلك التي تملك المبالغ النقدية في البنوك، شراء أسهم مرتفعة القيمة لشركات مستهدفة عبر أسهمها المرتفعة السعر، وعندما قامت شركة "فيسبوك" بهذا العمل من خلال عرضها الكبير بقيمة 19 مليار دولار لشراء "واتس أب"- وهو نظام مراسلات إلكترونية- كان معنى ذلك أن مساهمي "فيسبوك" لم يتساءلوا لماذا تم دفع هذا المبلغ الضخم لشركة لا تحقق عوائد تستحق الذكر.

الطريدة الأوروبية

انطوى العديد من الصفقات الكبرى في حقبة الـ2000 على سلع حقيقية متداولة مثل النفط والمعادن، أو عمليات لدخول أسواق ناشئة، أما صفقات الاستحواذ المبرمة في الوقت الراهن، فهي تشبه تلك التي انطوت على نشاطات اندماج صناعية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما اشترت "فايزر" منافستها "وارنر- لامبرت"، واستحوذت "فودافون" على كل من "اير تاتش" و"مانسمان". كان الاعتقاد السائد لدى المديرين آنذاك أن الحجم يشكل أهمية كبيرة في ضوء موجة العولمة وانطلاق اليورو في الأسواق، ويسعى الناس في الوقت الراهن وراء عمليات دمج بأمل توفير النفقات وقوة التسعير والاقتصاد العالي المستوى.

وبعد سنوات من النمو الهزيل، بدا العديد من الشركات الأوروبية واهناً ودون المستوى مقارنة بمنافساتها الأميركية والآسيوية ما يجعلها بمنزلة الطرف الأضعف الأقرب إلى الطريدة التي يترصد خطاها الضواري. وعلى سبيل المثال، كانت القيمة السوقية لشركة "ألستوم" حوالي 7 مليارات يورو (10 مليارات دولار) قبل مبادرة شركة "جنرال إليكتريك" (تساوي 268 مليار دولار)، ولا توجد شركات في منطقة اليورو بين أعلى 25 شركة في العالم من حيث رأس المال السوقي.

لكل شركة بواعثها ودوافعها لإبرام صفقة. كانت "فيسبوك" تخشى شعبية شركة حديثة العهد وسريعة النمو، أما "فايزر" فلديها العديد من المنتجات المربحة التي شارفت براءات اختراعها على الانتهاء، وكافحت كثيرا لجلب أنواع جديدة إلى السوق، كما حظيت الرعاية الصحية برواج في عمليات الدمج الناجحة لأن شركاتها الكبرى سددت ديون عمليات الاستحواذ والدمج في أواخر تسعينيات القرن الماضي في الوقت الذي تزايدت فيه ضغوط صناع الأدوية. ومن جهتها تريد "جنرال إليكتريك" بناء وحدتها الصناعية من أجل إعادة توازن بعيدة عن الخدمات المالية الخطرة. كما أن "سيمنز" سوف تدفع بسخاء من أجل إبعاد الشركة الأميركية المخيفة عن رقعتها الأوروبية.

فرنسا المستهدفة

لكن ثمة نظرية جديدة تقول إن صفقة عابرة للحدود قد تكون فرصة من أجل تحويل الأعمال إلى دولة ذات سياسات ضريبية متدنية، وعلى سبيل المثال فإن اندماج "فايزر- أسترا زينيكا" يمكن أن يتم في بريطانيا، حيث تصل معدلات الضريبة إلى 21 في المئة وهي نسبة تقل كثيراً عن معدلات الولايات المتحدة التي تبلغ 33 في المئة، إضافة إلى توافر قدر أكبر من الحرية من أجل إعادة الأرباح الخارجية. وتريد "ببليسيز- أومنيكوم" أن يتم تسجيلها في هولندا من أجل أغراض قانونية (لأن هولندا تعامل الحوكمة بمرونة) مع دفع الضريبة في بريطانيا، وذلك على غرار تركيبة الصفقة التي أبرمت باندماج شركتي "فيات" و"كرايسلر".

في العديد من الصفقات العابرة للحدود يتعين إرضاء سلطات وهيئات وقوانين مكافحة الاحتكار في العشرات من الدول، بيد أنها لم تعطل في الآونة الأخيرة أي اتفاق بصورة تامة ومن دون تحفظ. والحكومات، خصوصاً في أوروبا، منقسمة على ذاتها بين مفهومي التدخل الحكومي وتحرير الأسواق وتركها تعمل بحرية، وعلى الرغم من رغبتها الجلية في تحجيم مد المشترين الأجانب ووضع نوع من السياسة الصناعية، فإن لدى الحكومة الفرنسية القليل من الأدوات والأسلحة لهذا الغرض، فضلا عن عدم توافر المزيد من الأموال النقدية. تجدر الإشارة الى أن عضوية فرنسا في السوق الأوروبية الموحدة تحد بقوة من قدرتها على دعم الشركات الوطنية وإسنادها أو ممارسة التمييز ضد الشركات الأجنبية.

تتسم العروض الأميركية والألمانية الخاصة بشركة "ألستورم" بقوة جلية في أعقاب عمليات شراء أجنبية لشركات فرنسية أخرى، وقد تم شراء شركة "إس إف آر" كبرى الشركات الفرنسية للاتصالات وتشغيل شبكات الهواتف المحمولة، من قبل "ألتايس"، وهي شركة قابضة تتخذ من لوكسمبورغ مقراً لها، كما سوف تدار شركة "لافارج" عمّا قريب من قاعدة "هولسيم" السويسرية. كانت شركة "دونغ فينغ" الصينية لصناعة السيارات اشترت أخيراً حصة تبلغ 14 في المئة في شركة "بيجو- ستروين" مع قيام الحكومة الفرنسية بخطوة مماثلة.

عمالقة العالم

ونتيجة لخوفه من انتقال إدارة شركة "ألستوم" للطاقة، التي توفر أكثر من 70 في المئة من عوائدها، إلى الولايات المتحدة في حال نجاح خطوة "جنرال إليكتريك"، سارع وزير الاقتصاد الفرنسي أرنو مونتبورغ بالترحيب بعرض شركة "سيمنز" بشأن مبادلة أصول. وتهدف هذه الفكرة إلى تحويل المنافسين المتشابكين إلى بطلين أوروبيين أحدهما في ميدان الطاقة وهي شركة "سيمنز"، والآخر في ميدان النقل "ألستوم".

احتمالات خسارة فرنسا معظم أجزاء "جوهرتها الصناعية" لمصلحة مشترين أجانب أثارت موجة من القلق في داخل البلاد، ويقول باتريس جيوفرون من جامعة باريس-دوفين "يمثل ذلك انفصالاً تاماً عن رؤية فرنسا لنفسها"، وقد بدأ الناس يتقبلون فكرة أن الشركات الفرنسية لم تعد قادرة على المنافسة عبر قدراتها الخاصة في ميدان صناعة السيارات، بحسب "جيوفرون"، ويمكن للمرء أن يظن بأنه ما من أحد يكترث بمسألة الأسمنت، ولكن لشركة "ألستوم" أهميتها في تقنيتين بارزتين، كما يشير: الطاقة النظيفة، بما في ذلك المصادر المتجددة، والسكك الحديدية العالية السرعة، ويبدو أن فرنسا تسلم مستقبلها بقدر لا يقل عن ماضيها.

المشككون في قيمة عمليات الدمج الكبيرة يتبين أنهم على حق في غالب الأحيان: التعاون الموعود لم يتحقق قط، وينهمك المديرون في خضم أنظمة تكامل تقنية المعلومات وغيرها من الجوانب المماثلة. وهذا ليس كافياً لردع المديرين الذين يحبون في العادة حكم إمبراطورية واسعة، والشك المجرد المتعلق بإمكانية تفكير أحد المنافسين بعملية استحواذ يدفعهم إلى إطلاق عرض خاص بهم. لقد أعادت الصفقات الكبيرة التي حدثت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي رسم المشهد التجاري، على الرغم من أنها لم تكن كلها حكيمة ولم تتسم دوماً بحسن التمييز، والشيء ذاته يبدو أنه سيحدث من جديد، مع انطلاق جماعات كبيرة من عمالقة إدارات الأعمال الأغرار في العالم.