«سايكس بيكو» 2014
ما زالت قضية البحث عن مقومات الاستقرار السياسي نقطة حوار ونقاش بين الباحثين في الدراسات السياسية وكتّاب المقالات، ولم يقتصر الموضوع على فترة الانتفاضات والتغيير في العالم العربي فحسب، بل سبقنا أرسطو وتلامذته منذ القرن الرابع قبل الميلاد وهم يبحثون عن مكامن الاستقرار في المدن والكيانات السياسية، وأسباب عدم الاستقرار في ظل الحالات الثورية التي تعرضت لها المدن اليونانية، واستكشاف سبل الاستقرار السياسي والاجتماعي.ويتسابق الباحثون والكتّاب اليوم، وفي ظل الأحداث المتسارعة، لمحاولة تفسير ما يحدث في عالمنا العربي وسط انجراف سورية والعراق إلى نماذج أكثر خطورة من ليبيا واليمن، وأقرب منها إلى لبننة الوضع الداخلي وانزلاقه نحو حرب أهلية.
ويبدو أن الأوضاع في عالمنا العربي أعادت إلى أذهان البعض أحداثاً في تاريخنا المعاصر، والتي اشتعلت بصراع الطوائف والقوميات كالحرب العالمية الأولى، فعادت اتفاقيات حدودية كـ"سايكس بيكو" إلى الواجهة السياسية في مقالات عديدة منها مقال للكاتب جمال خاشقجي لتفسير ما يجري في العراق وسورية، وأعادت الأحداث إلى الأذهان أجواء 1914 عندما تشكلت الدول بعد سقوط الدولة العثمانية، ورغم انتهاء صلاحية اتفاقية "سايكس بيكو" بعد اكتمال مئة عام فإن مسألة الحدود تبقى قائمة، ولكن بصيغة جديدة، فبسبب عولمة العمل السياسي تزداد مخاوف تشابك الهويات والقوميات العابرة للحدود.ومن الكتّاب إلى الباحثين، وأبرزهم "روبرت بوكرفيشير" الذي ساهم بدراسة نشرتها جامعة دارام ضمن سلسلة البحوث التي تحمل اسم برنامج الكويت، فتناول قضية "سايكس بيكو" من زاوية أخرى، فيرى الباحث أن الوضع الحالي في الدول العربية يتمحور حول القوى الدافعة للتغير في العالم العربي التي تكمن في النقاط الخمس، وهي الضغوط الديمغرافية، والتغييرات السكانية، والتعليم، والاتصال (الثورة التكنولوجية)، والبطالة، بالإضافة إلى ضغوط أخرى، ويرى الحاجة الماسة لتحديث المؤسسات السياسية والقضائية والاقتصادية وإعادة تصميمها لتواكب مشروع تحديث الدولة. أما اتفاقية "سايكس بيكو" اللندنية والباريسية فيرى الباحث أنها وضعت لرسم حدود سورية وفلسطين، وخلقت أجواء تنافسية جمعت الارتباط التاريخي بين مدن بعيدة كحلب والموصل، والارتباط القبلي العابر للحدود الذي كان في الماضي له تأثيرٌ بسيطٌ، واليوم ازداد كعنصر مؤثر في خضم الأحداث، وبين رأي الباحث والكاتب تبقى الحدود في العالم العربي خاضعة لسيادة الدول، وتبقى الأحداث عرضة لتفسيرات وتأويلات عديدة نستعرض منها ما هو أقرب للواقع، لعل طريق التحليل السياسي يصبح أكثر تفاؤلا وواقعية... وللحديث بقية.كلمة أخيرة: كما وعدتك أخي القارئ فقد بدأت في الأسبوع الماضي بالانتظام بالمحاضرات الافتراضية لمشروع "هارفارد إكس"، وقد اخترت تخصص التعليم والقيادة، وسأكتب عن التغيير في السياسات التعليمية في مقالات قادمة.