أستغرب بشدة، وأتعجب، بل أكاد أنهار من الضحك وأنا أرى محللين استراتيجيين، أو هكذا يسمون أنفسهم، وتسبق أسماءهم حروف التعريف الأكاديمية التي تعرف بحصولهم على درجات علمية رفيعة، يرسمون على وجوههم الجدية، ويضخمون أصواتهم على شاشات التلفزة، ويقولون إن الدول الخليجية يمكنها أن تنسق مع إسرائيل لمواجهة التقارب الأميركي-الإيراني، بل إن أحد محللينا الاستراتيجيين أسماهم بـ"أولاد عمنا اليهود"، مشيراً إلى أن الإسرائيليين فوجئوا بالتنسيق والاتفاقات، تحديداً في ما يخص سورية، الحاصلة بين واشنطن وطهران، ويسألوننا في المؤتمرات الدولية عن حقيقة ما يحدث بين أميركا وإيران!
وعند سماعي لهذا المحلل الاستراتيجي الفذ، الذي يقدم المشورة والدراسات الاستراتيجية لحكوماتنا الخليجية منذ سنوات، عرفت أحد أهم أسباب الارتباك الشديد في سياسات الدول الخليجية بعد انكشاف الصفقات المتبادلة بين الأميركيين والإيرانيين إذا كان مثل هؤلاء المستشارين هم من ينصحون صاحب القرار الخليجي ويوجهونه. فموافقة واشنطن على تثبيت نفوذ طهران على مناطق شاسعة من إقليم الشرق الأوسط، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتم في المدى الحيوي لأمن إسرائيل دون أن تعلم تل أبيب، التي تملك مفاصل الإدارة الأميركية، عبر اللوبي الصهيوني الفاعل هناك، ومن يعتقد غير ذلك جاهل أو يتجاهل عن عمد لسبب ما.المعلومات المتوافرة ترجع بدايات الاتصالات الأميركية مع الإيرانيين إلى رام إيمانويل، عندما كان رئيس موظفي البيت الأبيض في الولاية الأولى لأوباما. وإيمانويل هو إسرائيلي أميركي من عائلة صهيونية خدم في الجيش الإسرائيلي وقدم خدمات مختلفة للدولة العبرية، فهل تعتقدون أن تل أبيب لا تعلم ما يحدث بين العم سام وملالي طهران؟ بل إنه لا يوجد من يصدق أن أميركا تعقد صفقات في سورية، وهي المجال الأمني الحيوي والقاتل لإسرائيل دون علمها؟!لذلك فإن ما يحدث بين أميركا وإيران تم، بالتأكيد، في جميع فصوله، بعلم كامل من إسرائيل ومباركتها، وهناك هدف استراتيجي أميركي إسرائيلي مشترك بتفتيت الدول السنية الكبرى اتخذ بعد أحداث سبتمبر 2001، والسماح للمشروع الإيراني بالتمدد كونه الأقل خطراً ورغبة في المواجهة مع إسرائيل، وكذلك بسبب الكلفة الباهظة لمواجهة إسرائيلية – إيرانية في ظل تراجع وانكفاء أميركي عن المواجهة والانخراط في الصراعات الخارجية.الاستقراء العلمي والاطلاع العميق على طبيعة الأحداث يؤشران إلى أن أميركا، في ظل التغييرات الداخلية والتوجهات المجتمعية الأميركية إلى عدم المواجهة والقتال، وكذلك الحالة الاقتصادية لديها، تتجه إلى حالة شبيهة بحالة بريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، عندما بدأ العظيمان الجديدان (الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة) في قضم إمبراطوريتها وتقاسم تركتها. ويبدو أن أميركا رغم أنها مازالت تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية هائلة فإنها تريد أن تودع دورها الإمبراطوري لمصلحة وكلاء لها أو قوى جديدة متحالفة معها، تضمن الحد الأدنى من مصالحها ما لم تتغير الأوضاع الداخلية الأميركية ومزاج الناخب الأميركي قريباً، ولذلك ستكون دول مجلس التعاون الخليجي في فترة حرجة لترتيب أوضاعها في المرحلة المقبلة مع روسيا والصين وبقية دول البريكس، كما ستكون فترة قرارات صعبة لها لبناء قوة إقليمية مع مصر وبقية الدول العربية لمواجهة التحولات الدولية الكبيرة الناتجة من الفراغ الذي سيتركه الانكفاء الأميركي.***تصريح المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي عن دور بشار الأسد ونظامه في الفترة الانتقالية، والتي أغضبت المعارضة السورية، هو كلام من شخص مطلع على الصفقة الأميركية – الإيرانية التي يباركها الروس، وليس اجتهاداً شخصياً، ولذلك ما يقوم به هو دور بغيض يتم على حساب دماء السوريين، وتنفيذاً لصفقات على حساب أهله العرب.
أخر كلام
الارتباك الخليجي... والوداع الأميركي!
31-10-2013