ترددت كثيراً في كتابة عنوان المقال ليكون «ثقافتنا والخدم في منازلنا» فأنا أكره كلمة خادم، وأرى فيها تقليلاً من قيمة وشأن الإنسان. فإذا ما أضيف إلى ذلك أن تعداد سكان الكويت هو في طريقه ليكون أربعة ملايين وأن عدد الكويتيين منهم مليونان وعدد الوافدين، عرباً وأجانب، يشكل النصف الثاني في المجتمع، فإن ذلك يستوجب الوقوف ملياً ودراسة وجود الآخر إلى جانبنا، ومشاركته لنا مكان ومذاق وطعم لحظة الزمن العابرة، ودخوله في أدق تفاصيل شؤوننا الأسرية، وقدرتنا على احترامه ومراعاة خصوصياته.

Ad

بداية أقول: أنا عاشق للمرأة، ووالدتي، يرحمها الله، من أهم الشخصيات التي أثرت في حياتي، وأن معظم، إن لم تكن، جميع كتاباتي تكشف وتفضح الممارسات البشعة بحق المرأة، لكن بالرغم من ذلك أقول:

يستثيرني جداً حين أكون في أحد الأسواق، وأرى الزوجة والزوج الكويتيين يتمشيان وخلفهما الخادمة حاملة على صدرها الطفل، الغافي على نبض قلبها ورائحة عنقها وشعرها ولباسها!

يستثيرني جداً، حين أكون في أحد الأسواق، وأرى المربيات الأجنبيات، فما عادت الدول العربية تسمح بإرسال بناتها خادمات في بيوت الخليجيين، ووحدهن المربيات الأجنبيات، وسط رطانتهن وضحكاتهن، جالسات يتابعن لعب وعبث أطفالنا في محال الألعاب، بينما تكتفي الأم بإيصال أطفالها إلى محل الألعاب، وإعطاء المربية النقود، ورفع صوت حرصها الواضح بالتوصية الغبية، تخاطب المربية: «ديري بالك!».

مطلوب من المربية أن تدير بالها على الأطفال، بينما الأم تمارس هوايتها الأحب في التسوق والحديث عبر التلفون.

يستثيرني جداً حين أكون في أحد الأسواق، وأرى أسرة جالسة لتناول وجبتها، وسط وجوم الزوج والزوجة، بينما الخادمة مركونة كأي مقعد تتنفس رائحة الأكل، وتحرس تنوع أطباق الطعام، وتأخذ بالها من حركة الأطفال في حالة انفلات أي طفل أو ابتعاده عن الأسرة، أو حاجته للذهاب إلى دورة المياه!

كثيرات من النساء الكويتيات لا تستدل الواحدة منهن على أي حاجة في مطبخ بيتها إلا بعد سؤال الطبّاخة!

كثيرات من النساء الكويتيات يتركن للمربية إيقاظ الأطفال، وترتيب لباسهم وإطعامهم، بينما هن منشغلات بلباسهن ومكياجهن، وتحمل المربية حقائب المدرسة إلى السيارة، وتفتح الباب لأطفالنا للتأكد من أنهم جلسوا في أماكنهم المحددة، وتتذكر الأم لحظة تحريك السيارة، تخاطب الخادمة: «سأتصل بك كي أخبرك عما يجب أن تطبخيه للغداء!».

يستثيرني جداً بكاء طفل في أي مكان عام، وركضه ليحتمي بصدر الخادمة وليس صدر أمه!

يستثيرني جداً أن تتكفل الخادمة بدفع عربة الطفل النائم، بينما الأم والأب لاهيان بحديثهما الخاص!

يستثرني جداً أن تستقبل الخادمة أصدقاء الطفل القادمين لحفلة عيد ميلاده، بينما الأم مشغولة بالديكور والكيكة!

يستثيرني جداً أن بيوتنا تأكل من أيادي الطباخات والطباخين، ولأن «الأكل نَفَسَ» فنحن نأكل من أنفاس الخادمات، وما عاد نَفَسْ الزوجة والوالدة موجوداً في الأكل!

يستثيرني جداً أننا في غفلة عن فلذات أكبادنا!

يستثيرني جداً أن أطفالنا عادوا بلا أمهات!

يستثيرني جداً أن تعمل المربية والطباخ والخادمة والسائق من الخامسة فجراً إلى الثانية صباحاً دون توقف!

يستثيرني جداً أن تستكثر بعض الأسر على الخادمة التلفون، وخروجها مرة واحدة في الأسبوع، أو احتفالها بعيدها الديني السنوي!!

يستثيرني جداً، ويستثيرني، ويستثيرني.. وكم وكم؟!

الناس يطالبون الحكومة بمنع إدخال الإثيوبيات إلى الكويت، لأنهن مجرمات وقاتلات! والصحيح أننا بحاجة لمنع أنفسنا من بطر العيش، ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في عيشنا، وترتيب أولويات شؤون أطفالنا وأسرنا، في دور الأم والأب، وأخيراً في تعاملنا مع المربيات والطباخات والسوّاقين، ولا أريد أن أقول الخدم!